▪︎ مجلس نيوز
من بلا خطيئة، ومن لم تكن له إخفاقة، ومن لم يعش في قصة، من نعم الخالق على خلقه أن جعل النسيان رحمة بهم؛ لأنه أقوى دواعم الشخصية؛ فالدنيا لا تخلو من المنغصات، والتقلبات، والتغيرات؛ وهي من مكونات المراحل الحياتية؛ الزمنية، والنفسية، والمجتمعية؛ التي تتطلب حضور ذلك العلاج السحري ليضمد الجراح، ويسكن الآلام لتستمر الحياة.
كثيرا ما تتردد مقولة «لا تبك على اللبن المسكوب»؛ ليس في ثقافتنا العربية وحسب، بل في الثقافات الأخرى مثل الثقافة الإنجليزية “There’s no Use Crying Over Spilled Milk”.
ربما يلجأ بعض الآباء، والمربين، أو مستشاري التنمية البشرية، والأخصائيين النفسيين، والاجتماعيين إلى هذه المقولة لدعم من أحزنه أمر من أمور الدنيا في وضعه الأسري، أو المالي، أو العملي، أو العلمي لكي لا يتأثروا وبالتالي يتعثروا ليواصلوا مشوارهم ولا ينظروا إلى ماضيهم وأن يركزوا على مستقبلهم وفرصهم، لأن الجلوس والتفكير فيما حدث سيعوق تقدمهم، وإنجازاتهم.
كما أن للنسيان مميزات كذلك هو النبش في خانة الذكريات لاستدعاء ما فات من باب التعلم الذي يندرج تحت مبدأ التجارب والخبرات؛ باجترار بعض المواقف، والأحداث خصوصا تلك التي وقعت بسبب الإهمال، أو اللامبالاة، أو تلك التي حدثت من باب الخطأ العفوي أو المتعمد؛ تفنيد ذلك المستودع المعرفي الدفين يساعدنا في رسم خارطة الطريق المستقبلية ويحافظ على اتزاننا الحالي بما نملكه من قدرات وإمكانات.
هنالك دراسة أجرتها جامعة أوهايو قبل عدة سنوات قام بها مختصون في المجال السلوكي تمثلت نتائجها في أن الشعور بألم الفشل للماضي يؤدي إلى المزيد من الجهد لتصحيح الأخطاء وتحسين الأداء المستقبلي.
وفي دراسة منقولة عن صحيفة «الديلي ميل» البريطانية أن الأشخاص الذين يتذرعون بالأعذار بسبب ما حصل لهم من إخفاقات يحاولون الاختباء وراءها ولا يبالون في تكرراها مرات أخرى، وفي المقابل أن الأشخاص الذين يقومون بمراجعة ما حصل لهم من إخفاقات وأخطاء يسعون إلى عدم تكرار التجربة والتعلم مما سبق.
وفي استقصاء لعملية «صنع القرار السلوكي» نشر عدد من الباحثين من جامعة كانساس وستانفورد وأوهايو دراسة مفادها «أن الشخص الذي واجه الفشل من الأفضل أن يركز على مشاعر الألم التي تخالجه لعدم تكرار التجربة القاسية بالتالي يصبح أكثر حرصا لبذل المزيد من الجهد في المرات القادمة لتلافي حدوث ذلك الألم ويسعى لتحسين أدائه المستقبلي» وهو ما يعتبر فعليا حسن التصرف بالوعي الذاتي لكيفية استخدام الذكاء العاطفي جراء رسوخ الصورة الذهنية المشوهة وكيفية تجميلها في المرات القادمة.
من وجهة نظري النفسية والمعرفية ومن مبدأ العلاج السلوكي المعرفي أرى أن العودة إلى خبرات الماضي والتجارب المستفادة هو أساس المبدأ الإيماني من حديثه صلى الله عليه وسلم «لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين» هذا الإيمان منبعه المشاعر والعواطف القلبية المحركة للسلوك؛ فالأحرى أن نستفيد ونحاول أن لا نعيد -أقصد التجارب السيئة- وننتقي الجيد منها؛ وإذا انسكب اللبن لا بأس أن نستجمع الصالح منه والذي لم يتلوث لنستخدمه.
@Yos123Omar