▪︎ مجلس نيوز
في العقد الأخير أضحت الميليشيات عنوان المرحلة العسكرية والأمنية في بعض البلدان العربية؛ لا سيما تلك التي وقعت في فخ الربيع العربي، فهذا الربيع الموهوم قد أحدث فراغا سلطويا في جغرافيا العراق وسوريا وليبيا واليمن ولبنان وحتى السودان والصومال، وتحول المشهد العام إلى فوضوية متداخلة ومتناقضة بصورة تعجز عن التفسير في تعقيداتها وضبابيتها.
فكرة صناعة الميليشيات داخل الأوطان العربية تعود إلى ثمانينات القرن الماضي، فبعد الخسارة العنيفة التي تعرضت لها طهران في حربها الطويلة مع العراق، لجأت إلى طرق المواجهة غير المباشرة مع الحكومات العربية عبر خلق الميليشيات الطائفية التابعة لأجندتها الثورية، ولعلنا نتذكر مقولة الهالك قاسم سليماني بأن فكرة صناعة الميليشيات هي أفضل ما أنتجته الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة، وبالتالي تمكنت الميليشيات الفوضوية أن تصنع من ذواتها كيانات موازية للدولة الوطنية.
في واقع التاريخ الميليشيات لا تتقاطع مع نظم الديمقراطية على الإطلاق؛ لكن المشهد العربي يخالف هذه البديهية المسلمة، ففي الحالة العراقية مثلا نجد للميليشيات الطائفية تمثيل رسمي في مجلس النواب، وتمثيل وزاري في نظام المحاصصة داخل الحكومة، بل إن الحالة تتعدى في كارثيتها إلى امتلاك المييلشيات حق تصدير النفط العراقي، وإقامة نقاط التفتيش الأمنية، واستغلال الموانئ البحرية والانتفاع من مردود الجمارك العامة في سابقة مأساوية لا نجد لها مثيلا حول العالم.
وفي الحالة اللبنانية نجد أن حزب الله قد قزم حجم الدولة الوطنية إلى مستوى الحزب الطائفي، وأصبح يمارس على اللبنانيين منهج الوصاية، ويهدد الحكومات المتعاقبة بالميليشيات التي يحشدها بين الفينة والأخرى، مما تسبب في تأزيم الوضع السياسي اللبناني حتى أضحت الحكومة عاجزة عن عقد اجتماعاتها الدورية، كما تهاوت العملة الاقتصادية لدرجة الانهيار التام، وعلى الرغم من كل هذا التردي إلا أن ميليشيات حزب الله باستطاعتها أن تحرق لبنان بأكمله من أجل ابتسامة المرشد الإيراني.
وأما الحالة اليمنية فتسعى ميليشيات الحوثي الانقلابية إلى تغيير الهوية العربية وتفريس المجتمع لأجل تمرير المشروع الثوري، وعلى الرغم من تمكنهم من اختطاف جغرافيا الشمال اليمني لصالحهم إلا أن الضربات الأخيرة التي وجهها التحالف لمعسكراتهم الحيوية قد أضعفهم كثيرا وأعاد مشروعهم إلى الوراء كثيرا، فتحرير محافظة شبوة بالكامل بالإضافة إلى مناطق في مأرب والبيضاء سيضيق الخناق على ميليشيات الحوثي ويجعلها في حالة حرجة جدا.
وفي الختام.. لا يوجد في التاريخ دولة صنعت حضارة تنموية وهي تستند على فكرة الميليشيات، فبناء الدولة الحديثة يبدأ بحل وتسريح الميليشيات وإنهاء وجودها على الإطلاق، فمنطقتنا العربية لم تشهد حضور الميليشيات بهذه الكثافة المعقدة إلا في العشر سنوات الأخيرة، ولو فتشت عن الأسباب ستجد إيران، هي السبب الأول والأخير.
@albakry1814