منذ الأزمة المالية، ظل العقاب الذي يقابل جرائم ذوي الياقات البيضاء غير متناسب مع ما يقع من أعمال إجرامية. استمرت الجرائم في القطاع المالي – وشهد العالم فضائح حول التزوير في أسعار فائدة الليبور، وغسل الأموال، وسرقة العملاء وغيرها. لكن العقوبة اقتصرت إلى حد كبير على الشركات، وليس كبار التنفيذيين، حيث يتحمل المساهمون الأبرياء فواتير الغرامات الضخمة التي تفرضها السلطات القضائية. لكن فجأة ظهرت ملامح تغيير في الجو.
دفع بنك أي إن جي ING الهولندي 755 مليون يورو غرامات في 2018 لحالات فشل في الامتثال يقال إنها سمحت لعملاء، بما في ذلك مشغل هاتف محمول روسي وشركة للملابس الداخلية في كوراتشو، بغسل مئات الملايين من اليورو ودفع رشا على مدى ستة أعوام. وبدا أن التسوية تضمن، في نمط طقوس ما بعد الأزمة، عدم تحميل ING ومجلس إدارته أي تهم جنائية.
تبين الآن أن هذه المناعة ربما تكون واهية. استجوبت محكمة هولندية في لاهاي أخيرا الرئيس التنفيذي السابق لبنك ING، رالف هامرز، لمراجعة ما إذا كان ينبغي إعادة فتح القضية. في بيان الأسبوع الماضي قالت محكمة الاستئناف في لاهاي إنها تعتقد أن الأسس كافية في الواقع لنجاح محاكمة هامرز “بصفته المشرف الفعلي على الجرائم الجنائية التي ارتكبها بنك ING”.
أضافت: “الحقائق خطيرة، لم يتم التوصل إلى تسوية مع المدير نفسه، ولم يتحمل المسؤولية العامة عن أفعاله”.
كل ذلك مقلق للغاية بالنسبة للتنفيذي الهولندي وللبنك السويسري، يو بي إس، الذي انتقل إليه للتو ليصبح الرئيس التنفيذي. مع ذلك، المحكمة الهولندية تعالج الخلل الأساسي في الاستجابة القضائية والتنظيمية للأزمة المالية – أي أن فرض عقوبات على الشركات، وليس الأفراد، يفشل في توفير رادع لسلوك الأفراد السيئ. في الممارسة العملية، الأفراد القلائل الذين تم سجنهم كانوا من الموظفين الصغار نسبيا أو متداولين مارقين.
في الولايات المتحدة حاولت وزارة العدل معالجة قضية عدم الردع من خلال نظام اتفاقيات عدم الملاحقة القضائية وإقرار الشركات بالذنب. صاحب ذلك غرامات ومتطلبات أن تغير الشركات سياساتها وثقافتها والحوافز الداخلية. بالنظر إلى سلسلة الفضائح التي لا تنتهي في البنوك، فمن الواضح أن هذا لم ينجح.
في الماضي جادل جيد راكوف، وهو قاض فيدرالي في نيويورك، بأن استخدام اتفاقيات الملاحقة القضائية المؤجلة لحل التحقيقات الجنائية دون محاسبة الأفراد “مشكوك فيه من الناحية الفنية والأخلاقية”. في خطاب ألقاه أمام نقابة المحامين في نيويورك، قال إن عدم مقاضاة المخالفين الأفراد بعد الأزمة المالية، على الرغم من المؤشرات واسعة الانتشار على الاحتيال، قد يحكم عليها “كواحدة من أكثر الإخفاقات الفادحة لنظام العدالة الجنائية في الأعوام الأخيرة”.
لم يكن الوضع دائما على هذا النحو. في أزمة المدخرات والقروض في الثمانينيات، حيث قدر أن عمليات الإنقاذ كلفت دافعي الضرائب الأمريكيين 124 مليار دولار، كانت استجابة وزارة العدل كاسحة. في غضون ستة أعوام من الأزمة، تم رفع أكثر من ألف دعوى قضائية ضد كبار التنفيذيين في شركات المدخرات والقروض المنهارة. ذهب التنفيذيون ورؤساء الشركات إلى السجن.
أحد الأسباب التي تم الاستشهاد بها لعدم وجود إدانات في الأزمة المالية هو أن مسؤولي وزارة العدل كانوا يخشون من أنهم قد يعجلوا بفشل المؤسسات المالية ذات الأهمية النظامية. أصيبت تلك المؤسسات بالندوب بسبب انهيار شركة المحاسبة الكبرى، آرثر أندرسن، في 2002 بعد إدانتها بعرقلة العدالة بسبب تدقيق شركة الطاقة الاحتيالية، إنرون.
هناك تفسير آخر هو أن الرؤساء التنفيذيين لشركات المدخرات والقروض كانوا أصغر حجما من عمالقة وول ستريت، الذين تعد قوتهم في الضغط ومساهماتهم في تمويل حملات السياسيين كبيرة جدا.
السؤال المثير للاهتمام الآن هو ما إذا كانت قضية بنك ING وهامرز ستثبت أنها نقطة فاصلة، وما إذا كان كبار المصرفيين ليس فقط في هولندا، ولكن في جميع أنحاء العالم سيطلب منهم تحمل المسؤولية الشخصية عن السلوك السيئ الذي يحدث خلال وجودهم في الإدارة. بطريقة ما أشك في ذلك. كان السعي لمعاقبة الشركات بدلا من الأفراد أمرا مربحا للغاية للسلطات الأمريكية، ما أدى إلى تحويل العدالة الجنائية إلى مركز للربح. كما أنه يوفر حياة أكثر راحة للمسؤولين من التعامل مع عمالقة وول ستريت.
في مناظرة مع بيرني ساندرز في 2016، ردت هيلاري كلينتون بشكل مشهور على الاستهزاء بعلاقاتها الوثيقة مع وول ستريت بالقول: “لا ينبغي أن يكون هناك بنك أكبر من أن يفشل، ولكن لا يوجد فرد أكبر من أن يسجن”.
طموح من التقوى سيبقى على الأرجح غير محقق.