▪︎ مجلس نيوز
من الواضح أن القرار الصيني الأخير بشأن حماية الخصوصية، جاء في وقت ارتفعت فيه حدة المخاطر التي تستهدف البيانات الشخصية من قبل شركات التكنولوجيا والإنترنت عموما، وأصبحت من العوامل المساعدة لارتكاب الجرائم المنظمة، خاصة في ظل توجه العالم السريع نحو العالم الرقمي، وانتشار الخدمات الإلكترونية، واتساع قاعدة التعامل في هذا القطاع، وزيادة حجم الشركات العاملة فيه، وتعدد نشاطاتها.
الشركات الصينية واجهت هجوما لم يتوقف على الساحة الغربية، وخصوصا من جانب الولايات المتحدة، فيما يتعلق بـعدم توفير الحماية اللازمة للبيانات الشخصية التي تجمعها، إضافة إلى مخاوف الغرب الدائمة من أن البيانات الشخصية لغير الصينيين ربما تصل إلى أجهزة الحكومية الصينية وينظر إليها بمفهوم ومنظور استخباراتي.
وبصرف النظر عن النقطة الأخيرة، ومدى صحتها، فإن الحكومة الصينية أقرت القانون الذي سيعزز عمل شركات التكنولوجيا في المرحلة المقبلة، دون أن ننسى، أن توسع نطاق هذه الشركات في الخدمات يزداد يوما بعد يوم، ويتكرس بقوة في أعقاب انتشار جائحة كوفيد – 19.
بالطبع لا يقتصر الأمر من وراء قانون كهذا على حق الفرد في الحفاظ على بياناته الخاصة، وعدم تسربها إلى جهات أخرى، أو طرحها للبيع في بعض الأحيان، كما حدث في السابق مع عدد من الشركات المجمعة للبيانات حول العالم، فالمسألة تستهدف أساسا، تقييد عملية جمع البيانات الشخصية، مع ازدياد عمليات الاحتيال عبر الإنترنت في الأعوام الأخيرة، وهذه العمليات لا تشمل الساحة الصينية فقط، بل تضم أيضا الميدان العالمي.
ووفق المؤسسات المختصة، فإن عمليات الاحتيال هذه ارتفعت بصورة لافتة في أعقاب انتشار كورونا، نظرا لارتفاع مستوى التعاملات عبر الشبكة الدولية، وشمل الاحتيال بقوة دولا مثل الولايات المتحدة على الرغم من التقدم التقني الذي يتمتع به هذا البلد في هذا المجال.
الصين كغيرها من الدول التي ترتفع فيها معدلات استخدام الإنترنت للحصول على السلع والخدمات، حتى قبل أعوام من انتشار كورونا، وازدادت حاليا بشكل أصبح من ضروريات الحياة اليومية ومتطلبات هذا العصر المتسارع، وهذا ما يوسع ساحة تسريب بياناتهم.
وعلى الرغم من وجود بعض التقنيات التي تساعد في حماية البيانات الشخصية، إلا أن الهجمات الكثيرة والمتكررة على مواقع وبيانات لجهات رسمية وشركات وأفراد في دول كثيرة تتطلب إيجاد وسائل حماية أكثر أمنا من خلال تشريعات واتفاقيات ملزمة.
القرار الصيني الجديد يريد أن يجبر شركات التكنولوجيا على اتباع سياسات واضحة في هذا المجال، التي من أهمها الحصول على موافقة الأفراد في مشاركة بياناتهم، أو حتى في حفظها لدى الشركة.
وهذه النقطة يركز عليها القانون الصيني الجديد، كما يفرض على الشركات المشار إليها التقليل من عمليات جمع المعلومات الشخصية للمواطنين.
واللافت أن قانون ضبط جمع البيانات يشمل المؤسسات العامة والخاصة في البلاد، وبالتأكيد فإن المؤسسة التي تخالف هنا، قد تتعرض للغرامة التي تبلغ 5 في المائة من مبيعاتها، أو حتى الإغلاق نهائيا، بحسب مستوى هذه المخالفة.
والمثير هنا، أن القانون المقيد لجميع البيانات من قبل هذه المؤسسات، لا يشمل بالطبع السلطات في البلاد، التي احتفظت بحقها، لكن بلا شك، سيكون مؤثرا جدا لأداء شركات التكنولوجيا، خصوصا في ظل العقوبات الصارمة التي يتضمنها. كما أن الميادين التي يشملها القانون متعددة، ومنها ألعاب الكمبيوتر، وشركات التاكسي التي تتبع نظام الحجز المسبق، وحتى المطاعم التي تحتفظ بالبيانات الشخصية لزبائنها.
باختصار يهدف القانون بصورة خاصة إلى منع استخدام البيانات الشخصية لغرض “تنميط المستخدمين”، وفق رؤية المسؤولين الصينيين، وفي الواقع لم تبتكر الحكومة الصينية هذا القانون، فهو موجود في مناطق أخرى من العالم، وأولها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ومعظم دول القارة الآسيوية.
في حين أن عملية تنفيذه ليست سهلة تماما، وذلك نظرا لاتساع الرقعة التي يجب على المشرعين مراقبتها في هذه الشركة أو تلك، أو تشابك الخطوط بين شركات وأخرى. إنها عملية معقدة، لكنها في النهاية تحمي الفرد أينما كان.