▪︎ مجلس نيوز
“اقتصاد الولايات المتحدة يسير بالفعل نحو التعافي”
جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأمريكية
ليس غريبا أن يظهر بعض الأصوات الموالية للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، لتوجه الانتقادات بل الهجوم على الرئيس جو بايدن، من الجانب الاقتصادي. فهذه الأصوات هي نفسها التي توجه الانتقادات أيضا لبايدن في الميادين الأخرى، بما في ذلك حرصه الشديد والعنيف لفظيا على أن يأخذ كل أمريكي حقنته من اللقاح المضاد لفيروس كوفيد – 19، على اعتبار أن التطعيم هو خط الدفاع الأول للاقتصاد والمجتمع وكل شيء في البلاد. الولايات المتحدة – كغيرها من الدول – تعاني تداعيات وباء كورونا بصورة أكبر من غيرها على صعيد عدد الأمريكيين الذين قضوا بهذا الوباء، وأعداد المصابين الذين أبقوا بلادهم متصدرة كل الدول من حيث الإصابات والوفيات في آن معا.
وبعيدا عن هذه المناوشات التي لن تنتهي قريبا. فالاقتصاد الأمريكي يمضي في مسار جيد، ويحقق تقدما عدّه حتى صندوق النقد الدولي استثنائيا، واتفق معه كل الوكالات الاقتصادية الدولية. والحق: إن هذا الاقتصاد تمتع بالقدرة على مضاعفة حراكه في القضاء على الانكماش، في الطريق للانتعاش وتحقيق النمو المرتفع، مقارنة بأشباهه من الاقتصادات الغربية الأخرى، ولاسيما الأوروبية منها. ولنترك جانبا بعض التوصيفات المبالغ فيها مثل: الانتعاش الملحمي، والنمو المضمون، وغير ذلك من تلك التي يطلقها البعض على الساحة الأمريكية. فالاقتصاد الأمريكي يمكنه بالفعل أن يتجاوز الأزمة التي أوجدتها جائحة كورونا في زمن أقل مما كان متوقعا، خصوصا في ظل التحرك المرن لإدارة بايدن منذ اليوم الأول لوصولها إلى البيت الأبيض، الذي يستند إلى سيطرة مطلوبة لحزبه على مجلسي الشيوخ والنواب.
هذه السيطرة، وفرت له القدرة على تمرير المشاريع الاقتصادية بأسهل طريقة ممكنة، خصوصا أن مثل هذه المشاريع لا تتطلب سوى أغلبية بسيطة في التصويت عليها. وتكفي الإشارة إلى خطة الدعم الكبرى التي أقرتها الإدارة الأمريكية البالغة 1.9 تريليون دولار، ليس فقط لدعم الاقتصاد المحلي، بل إطلاق سلسلة من مشاريع البنى التحتية المطلوبة على الساحة الأمريكية منذ أعوام. ولأن الأمر كذلك، لم يكن غريبا أن يحقق اقتصاد الولايات المتحدة في الربع الأول من العام الجاري معدل نمو سنوي بلغ 6.4 في المائة، في حين تجاوز عدد الوظائف الجديدة أكثر من ثلاثة ملايين وظيفة. ووفق صندوق النقد الدولي، فمن المحتمل أن يصل معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي إلى 7.4 في المائة، وهو ما سيكون الأعلى على الإطلاق في البلاد منذ خمسينيات القرن الماضي.
التقدم اللافت حقا للاقتصاد الأمريكي في ظل تداعيات كورونا، سيجعله بالضرورة محرك دفع قويا للاقتصاد العالمي في الأشهر القليلة المقبلة. فحتى حزمة الدعم الهائلة، ينظر إليها العالم على أنها داعمة مباشرة له أيضا من خلال التوريدات التي تحتاج إليها الولايات المتحدة في حراكها التنموي الراهن. لكن الأمور لم تصل إلى المرحلة الوردية بالطبع. فالتحديات التي وضعتها إدارة بايدن لنفسها لا تتعلق فقط بالخروج من الأزمة الناجمة عن الوباء، بل تشمل أيضا تفاوت الدخل وهبوط معدل المشاركة في القوى العاملة، فضلا عن التغير المناخي والفجوات العرقية في المجتمع الأمريكي. وهذه قضايا لم تكن أساسا في حسبان إدارة ترمب السابقة، لأنها لم تعترف بوجودها أصلا. المسألة برمتها تتعلق برسم خريطة لاقتصاد جديد يستمر بمعاييره لعقود مقبلة.
ولهذا السبب تسعى الإدارة الأمريكية لتمرير مشاريع البنى التحتية والاستثمارات الخضراء بأسرع وقت ممكن، فضلا عن الاستثمارات العامة المستدامة التي تشكل المحور الرئيس لاقتصاد “بايدني”؛ إن جاز التعبير. لا شك أن خطة بايدن تمضي بنجاح، مع بعض المخاوف من نكسات خارجة عن الإرادة. فالتقلبات متوقعة، خصوصا في هذه المرحلة، الأمر الذي دفع الرئيس الأمريكي إلى القول: إن “اقتصادنا لا يزال بحاجة إلى انتعاش أكبر. أي إن الرجل كان واقعيا جدا. لكن لا يمكن تجاهل الثمار الأولية لهذه الخطة في توظيف 943 ألف أمريكي في شهر واحد، لتتراجع البطالة للشهر الثاني على التوالي إلى 5.4 في المائة. إنه مؤشر مهم جدا، ليس اقتصاديا فقط، بل اجتماعي أيضا، وهذا ما يركز عليه البيت الأبيض على المدى البعيد، ويدخل في نطاق إعادة البناء المجتمعي عبر استثمارات كبيرة ومتنوعة، ونمو مرتفع بعد أن يتحصن الانتعاش الراهن.
الأشهر المتبقية من العام الجاري ستشهد تحولات لافتة على الساحة الأمريكية، إلا إذا تمكن متحور دلتا الذي يخشى منه الأمريكيون من توسيع دائرته في البلاد. لكن يبدو واضحا أن تزايد مستويات التطعيم، والتوجهات الرسمية المشجعة في هذا المجال، أسهما في التقليل من المخاطر الناجمة عن هذا المتحور، بصرف النظر عن حملات أنصار ترمب التضليلية ضد اللقاح بكل أنواعه. الولايات المتحدة أظهرت بالفعل القدرة على مواجهة الأزمات الاقتصادية بمساحة زمنية قصيرة نسبيا، في حين لا تزال الدول الغربية الأخرى تعاني نموا منخفضا حتى بعد أن أعادت فتح اقتصاداتها بصورة شبه كاملة.