▪︎ مجلس نيوز
وفقا لقول مأثور قديم، يتمثل الاختلاف بين المحامين وكثير من المهن الأخرى في أن المحامين يمكن أن يجادلوا وهم على قناعة بنسبة 100 في المائة حتى عندما يكون أساس وجهة نظرهم غير مؤكد أو ضعيف.
يبدو أن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي هذه الأيام يتصرف كمحام أكثر من كونه اقتصاديا. مرة أخرى، وضع جانبا الأدلة المتراكمة حول الانتعاش الاقتصادي القوي، ورفض مخاوف الاستقرار المالي، وأعاد التأكيد بأن ارتفاع التضخم سيكون مؤقتا.
في المقابل، كثير من الاقتصاديين إما غير متأكدين وإما قلقون تماما من أن يكون التضخم مستمرا. تتضاعف مؤشرات وجود الزبد في السوق متمثلة في “ارتفاع كل شيء”. مزيد من الشركات تحذر من ارتفاع تكاليف المدخلات، مع إشارة بعضها إلى أن هذا سيتم تحميله على الأسعار.
التناقض بين موقف الاحتياطي الفيدرالي وكل هذا الذي يجري هو السبب في ارتفاع مخاطر السياسة الاقتصادية إلى أعلى المستويات لتكون أحد التحديات الرئيسة التي سيتعامل معها المستثمرون هذا العام. الحجة الداعية إلى الحفاظ على عقل منفتح تجاه طبيعة التضخم المتصاعد ليست حجة ترفض الآثار الهيكلية المعاكسة للتضخم الناشئة عن التكنولوجيا.
كما أنها لا تنكر أن القفزة الأولية في بيانات التضخم لها علاقة كبيرة بالتأثيرات الأساسية وبخطأ مؤقت في التوقيت بين الإنفاق الإضافي والإنتاج. بدلا من ذلك، تعتمد الحجة على التغييرات الهيكلية التي لها تأثير على جانبي العرض والطلب في الاقتصاد.
يبدو أن نقص الطلب الكلي الذي عاناه الاقتصاد الأمريكي لفترة طويلة قد انتهى. تحرص إدارة بايدن على الحفاظ على محور سياستها المالية القائمة على “اتخاذ إجراءات كبيرة وقوية”، بينما القطاع الخاص قادر – وهو الآن أكثر استعدادا – على استهلاك مزيد من المدخرات الخاصة المتراكمة خلال الوباء.
يستكمل كل هذا من خلال تحول عام في السياسة الاقتصادية بعيدا عن تدليل قطاع الشركات والأغنياء، إلى نهج أكثر شمولا لمصلحة الذين لديهم ميل إلى إنفاق جزء أكبر من دخلهم على السلع والخدمات.
يأتي الارتفاع الناتج في الطلب في وقت جعلت فيه أعوام من الاستثمار المنخفض استجابة العرض أقل ديناميكية. حاليا – ولا يزال الوقت مبكرا – تتعامل الشركات مع اختناقات سلسلة التوريد، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، والتركيز الصناعي، ونقص المخزون المتفشي، وفي بعض الحالات، مشكلات اليد العاملة.
نقص الرقائق يؤدي فعليا إلى إغلاق بعض مرافق الإنتاج. وفي الوقت نفسه، يعكف الاقتصاديون مرة أخرى على مراجعة توقعاتهم نحو الأعلى بالنسبة للنمو في 2021، ويتوقعون بشكل متزايد نموا بأرقام من خانتين للربع الثاني وأكثر من 7 في المائة للعام بأكمله.
بطريقة ما، ليس لدى الاحتياطي الفيدرالي خيار تشغيلي سوى التمسك بروايته المؤقتة نظرا لاعتماده أخيرا إطار عمل نقديا جديدا. تم ربط هذا الإطار بنهج متأخر “قائم على النتائج”، ليحل محل الميل الأكثر وقائية المرتبط بالنهج التقليدي “القائم على التنبؤ”.
على هذا النحو، فإن أقوى بنك مركزي في العالم ملتزم علنا بالحاجة إلى الانتظار لعدة أشهر من انحرافات التضخم التصاعدية الفعلية قبل الاستجابة. لتسليط الضوء على هذه النقطة أشار جاي باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي، إلى أنه نظرا لوجهة النظر القائلة إن الاقتصاد “ليس قريبا من تحقيق مزيد من التقدم الكبير”، فإن الاحتياطي الفيدرالي لا يفكر حتى في سياسة نقدية أقل تحفيزا. وعندما يبدأ في التفكير سيستغرق الأمر وقتا طويلا قبل تنفيذ إجراءات التشديد.
تم تصميم هذا الإطار قبل عامين عندما لم يكن هناك أحد يتوقع التحولات الهيكلية الضخمة الحالية. واليوم هذا الإطار يحتجز الاحتياطي الفيدرالي رهينة ويزيد من مخاطر حدوث خطأ في السياسة.
بدلا من الضغط على المكابح بحذر، كما فعل بنك كندا أخيرا، يواصل الاحتياطي الفيدرالي تغذية أكثر الظروف المالية مرونة، حسبما سجل مؤشر جولدمان ساكس الأسبوعي. الزبد والمخاطرة المفرطة في الأسواق سيصاحبان هجرة تصاعدية في كل من التضخم الفعلي والمتوقع. في نهاية المطاف قد يضطر الاحتياطي الفيدرالي إلى الضغط على مكابح السياسة النقدية، ويخاطر بإضعاف ما ينبغي أن يكون انتعاشا شاملا طويل الأمد.
في مثل هذا السيناريو الاقتصادي (الذي، في رأيي، يحمل احتمالات متساوية، إن لم تكن أعلى إلى حد ما)، قد يخاطر المستثمرون بخسائر في كل من حيازات الأسهم والسندات. يمكن أن يهتز وضعهم أيضا إذا بدأت الأسواق في التشديد كرد فعل على الاحتياطي الفيدرالي الذي يتراجع بشكل واضح وراء المنحنى.
منذ فترة طويلة كان الاحتياطي الفيدرالي قلقا بشأن ميل توازن المخاطر نحو الانكماش. ميزان المخاطر هذا انقلب.
لم يحن الوقت فقط لكي يبدأ الاحتياطي الفيدرالي في التفكير في تقليل الحوافز النقدية. بل حان الوقت لتقليص تدخلاته في الأسواق بشكل تدريجي من أجل رفاهية الاقتصاد على المدى الطويل والصحة الهيكلية للأسواق المالية.
رئيس كلية كوينز في جامعة كامبريدج، ومستشار كل من أليانز وجراميرسي