ينظر مجلس الدولة في تركيا اليوم الخميس (الثاني من يوليو/تموز) في طلب منظمات عديدة تحويل كنيسة آيا صوفيا السابقة إلى مسجد من جديد. وذكرت وكالة أنباء الأناضول أن القرار قد يصدر في اليوم نفسه أو خلال 15 يوما على أبعد حد.
وفي مؤشر على القلق الذي تثيره هذه القضية في الخارج، حثت الولايات المتحدة أمس الأربعاء تركيا إلى عدم المساس بوضع آيا صوفيا. وكتب وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو “نحث السلطات التركية إلى أن تواصل الحفاظ على آيا صوفيا كمتحف، بوصفه تجسيداً لالتزامها باحترام التقاليد الدينية والتاريخ الغني، التي ساهمت (في بناء) الجمهورية التركية، وأتاحت لها البقاء منفتحة على الجميع”. وأضاف بومبيو “تعتبر الولايات المتحدة أي تغيير في الوضع (…) بمثابة تهميش لإرث هذا المعلم الرائع”.
من جانبه علّق المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية حامي أقصوي أنّ بلاده “تتلقى هذه التصريحات بدهشة”، مضيفاً أنّ “لكل شخص الحرية في التعبير عن رأيه. في المقابل، ليس لأحد الحق في إبداء رأيه حول حقوقنا السيادية بلهجة التحذير”.
من جانبه، حذر الزعيم الروحي للمسيحيين الأرثوذكس في العالم الثلاثاء الماضي من أن تحويل الكنيسة إلى مسجد مرة أخرى سيثير الانقسام. وقال البطريرك المسكوني بارثولوميو، وهو الزعيم الروحي لنحو 300 مليون مسيحي أرثوذكسي في العالم ويتخذ من إسطنبول مقرًّا له إنّ “تحويل آيا صوفيا إلى مسجد سيثير غضب ملايين المسيحيين حول العالم”.
كما يثير مصير آيا صوفيا قلق اليونان المجاورة خصوصا التي تراقب عن كثب الإرث البيزنطي في تركيا. وكان مجلس الدولة سمح العام الماضي بتحويل كنيسة شورا البيزنطية في إسطنبول إلى مسجد في قرار اعتبره البعض اختبارا قبل البت في مستقبل آيا صوفيا.
واقترح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إعادة تحويل المبنى، وكان أردوغان، الذي يشعر بالحنين إلى الإمبراطورية العثمانية ويسعى إلى كسب أصوات الناخبين المحافظين وسط أزمة اقتصادية ناجمة عن وباء كوفيد-19، قد عبّر مرات عدة عن تأييده لفكرة تحويل الموقع إلى مسجد. وقد وصف العام الماضي تحويله إلى متحف بـ”الخطأ الفادح”.
ومنذ وصول إردوغان إلى السلطة في 2003، تزايدت النشاطات المرتبطة بالإسلام داخل هذا الموقع الذي تنظم فيه حلقات لتلاوة القرآن أو صلوات جماعية أمامه.
وآيا صفيا تحفة معمارية شيّدها البيزنطيون في القرن السادس وكانوا يتوجون أباطرتهم فيها. وقد أدرجت على قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو)، وتعد واحدة من أهم الوجهات السياحية في إسطنبول.
وبعد استيلاء العثمانيين على القسطنطينية في 1453، تمّ تحويلها إلى مسجد في 1453 ثم إلى متحف في 1935 بقرار من رئيس الجمهورية التركية الفتية حينذاك مصطفى كمال أتاتورك بهدف “إهدائها إلى الإنسانية”.
ع.ج.م/و.ب (أ ف ب، رويترز)
-
تركيا: صراع حول أجمل معالم البوسفور
معلم من معالم العمارة
في عام 532 ميلادية أمر الإمبراطور الروماني جستنيان، الذي كان يقيم آنذاك في القسطنطينية ببناء كنيسة صخمة “ليس لها مثيل منذ خلق آدم ولا شبيه في قادم الزمن.” وشارك في العمل 10 آلاف عامل. وبعد مرور 15 عاما تم افتتاح المبنى. وبقيت تلك الكنيسة على مدار ألف عام أكبر كنيسة في العالم المسيحي.
-
تركيا: صراع حول أجمل معالم البوسفور
مكان تتويج حكام بيزنطة
ويقال إن جستنيان استثمر ما يقرب من 150 طنا من الذهب في بناء آيا صوفيا. مع ذلك فقد وجب إجراء تحسينات على المبنى. فالقبة كانت في البداية مسطحة جدا وانهارت عند وقوع أحد الزلازل. “آيا صوفيا” ومعناها “الحكمة المقدسة” اعتبرت مباشرة كنيسة الدولة. ومنذ منتصف القرن السابع الميلادي جرى هنا تتويج جميع حكام بيزنطية تقريبا.
-
تركيا: صراع حول أجمل معالم البوسفور
التحول من كنيسة إلى مسجد
في عام 1453 سقطت القسطنطينية في يد السلطان العثماني محمد الفاتح، الذي أعلن تحويل آيا صوفيا إلى مسجد. وحل الهلال مكان الصلبان، ودمرت أجراس الكنيسة والمذبح و جرى تفكيك الفسيفساء والجداريات. كما أقيمت أول مئذنة بالمبنى المسيحي أصلا فأعطته مظهرا إسلاميا.
-
تركيا: صراع حول أجمل معالم البوسفور
التحول من مسجد إلى متحف
في عام 1934 أمر مؤسس الدولة التركية؛ مصطفى كمال أتاتورك بتحويل آيا صوفيا إلى متحف. ومع أعمال الترميم المكلفة لآيا صوفيا كانت هناك نية لعدم الإنحياز لدين معين فتم حينها إظهار لوحات الفسيفساء البيزنطية مرة أخرى. كما كان هناك حرص على عدم تدمير البنايات الإسلامية اللاحقة.
-
تركيا: صراع حول أجمل معالم البوسفور
الإسلام والمسيحية على قدم المساواة
التاريخ المضطرب لآيا صوفيا يتضح اليوم للزوار في كل ركن من الأركان. كتابات مثل “الله” و”محمد” تحيط بأيقونة مريم العذراء مع الطفل يسوع في حجرها. ومن الجدير بالذكر أن النوافذ الأربعين في القبة الكبيرة تسمح بمرور الضوء وتمنع انتشار الشقوق وتدمير القبة.
-
تركيا: صراع حول أجمل معالم البوسفور
أيقونات بيزنطية
الفسيفساء الرائعة في المعروضة على جدار الرواق الجنوبي لآيا صوفيا تعود للقرن الـ 14 الميلادي. وحتى وإن لم تكن كاملة إلا أن الوجوه بالفسيفساء لازالت واضحة جدا للعيان. في المنتصف صورة يسوع كحاكم للعالم، وعن يساره ماريا وعن يمينه يوحنا.
-
تركيا: صراع حول أجمل معالم البوسفور
ليس مكانا للعبادة
الصلاة في آيا صوفيا ممنوعة اليوم. وقد التزم بذلك أيضا البابا بنديكت السادس عشر، عندما زار البازيليكا في عام 2006. وجرت زيارته في ظل إجراءات أمنية مشددة، فقد سبقتها اتجاجات للقوميين ضد زيارة البابا. ومؤخرا، جمع شباب الأناضول الوطني المحافظ 15 مليون توقيع لأجل إعادة المتحف ليكون مسجدا من جديد.
-
تركيا: صراع حول أجمل معالم البوسفور
قيمة رمزية كبيرة
المنطقة المجاورة لآيا صوفيا لا تنقصها البنايات الإسلامية: ففي الجهة المقابلة مباشرة ترتفع مآذن جامع السلطان أحمد، المعروف أيضا باسم “المسجد الأزرق” (يمين). ويدعو القوميون إلى إعادة آيا صوفيا لتكون مسجدا، لأنه يرمز إلى فتح القسطنطينية على يد العثمانيين. وفي نظرهم أنه يجب حماية هذا التراث الإسلامي.
-
تركيا: صراع حول أجمل معالم البوسفور
مطلب المسيحيين الأرثوذكس
برتلماوس الأول بطريرك القسطنطينية؛ الرئيس الشرفي لجميع المسيحيين الأرثوذكس يطالب هو أيضا بحقوق في آيا صوفيا. ويدعو منذ سنوات، لفتح الكنيسة (البازيليكا) مرة أخرى للقداس المسيحي. ويقول إن آيا صوفيا “بنيت لتكون شاهدا على الإيمان المسيحي”، حسب تعبيره.
-
تركيا: صراع حول أجمل معالم البوسفور
القرار لم يحسم بعد
ما الذي سيحدث مع آيا صوفيا، مسألة غير واضحة. فحتى الآن لا يطالب بتحويل المتحف إلى مسجد سوى حزب الحركة القومية التركي المعارض (MHP)، وفشل أمام البرلمان طلبان بذلك. وتتحفظ الحكومة التركية بشأن هذه المسألة – على ما يبدو ردا على الاحتجاجات الدولية. وأما منظمة اليونسكو فإنها مشغولة بالأمر فآيا صوفيا موضوع على لائحة التراث العالمي منذ عام 1985.
الكاتب: كلاوس داهمان/ صلاح شرارة
Source link