▪︎ مجلس نيوز
مقدمة
في عصر تتسارع فيه التحولات والتحديات الاقتصادية والاجتماعية وتتنافس الدول فيما بينها على الموارد وتحقيق مستهدفاتها التنموية، تبرز أهمية الإدارة المبنية على النتائج كمنهجية أساسية لتمكين الحكومات من تحقيق طموحاتها التنموية عبر تعزيز الكفاءة والفعالية داخل المؤسسات العامة. هذا المفهوم، الذي يركز على توجيه الموارد والأعمال الحكومية نحو الخروج من التركيز على تنفيذ المشاريع إلى التركيز على تحقيق نتائج وآثار تنموية ملموسة وتقييم وقياس أداء البرامج والسياسات العامة بناءً على مدى قدرتها على تحقيق الأهداف التنموية المستهدفة في المجالات التنموية المختلفة (الاجتماعية، الاقتصادية، والبيئية).
وتزداد هذه الأهمية في الاقتصاديات الطموحة والتي تمر بتحولات تنموية كبرى ولديها زخم عالي من المشاريع التنموية تحت التنفيذ لضمان الخروج من التركيز على المشاريع (Projects Driven) نحو تركيز أكبر على التنمية (Development Driven).
وهذه الممارسة كانت من أهم تطورات ممارسات الإدارة العامة التي حدثت خلال الثلاث عقود الماضية وكانت ركنًا أساسيًا في رفع الأداء التنموي الحكومي للعديد من الدول التي قامت بتبني وتفعيل الممارسة. بالنسبة للمملكة العربية السعودية، التي تشهد تحولات جذرية ضمن رؤية 2030، وتشهد مشاريع تنموية في غاية الضخامة فإن تبني هذا المنهجيات يزداد أهمية في هذه المرحلة من رؤيتنا التنموية وممكن أساسي لتحقيق أهدافنا التنموية المستدامة والشاملة.
الوضع الحالي
السعودية، بقيادتها الرشيدة، قد أخذت خطوات مهمة نحو تحسين الأداء التنموي الحكومي. من أهمها:
- برنامج التحول الوطني والذي تضمن أهداف واضحة لتحسين التميز في الأداء الحكومي، ورفع كفاءة وشفافية أداء المنظومة الحكومية.
- تأسيس مركز أداء لدعم القطاعات الحكومية وأصحاب القرار عبر فهم الأداء التنموي لأعمال المنظومة الحكومية.
- قرار مجلس الوزراء الموقر رقم (713) المتعلق بقياس الأثر التنظيمي
- المبادئ التوجيهية لإدارة رؤية المملكة 2030 التي تبنت بعض ممارسات الإدارة بالنتائج مثل المساءلة عن الأداء التنموي.
بالرغم من كل المبادرات أعلاه إلا أن الممارسة على أرض الواقع ما تزال في مراحلها الأولى، يتضح ذلك من كثير من تقارير الجهات الحكومية التي ماهي إلا تقارير تقدم لتنفيذ المشاريع أكثر من كونها تقارير تعكس التغير في النتائج التنموية المتحققة والفجوات المتبقية.
الفجوات والتحديات
على الرغم من هذه الجهود، تواجه الإدارة المبنية على النتائج في السعودية تحديات متعددة. من أهمها:
- ضعف أو حتى غياب ثقافة الإدارة بالنتائج في ظل تغول لممارسات إدارة المشاريع كأداة وحيدة لإدارة وقياس أداء البرامج الحكومية.
- الممارسات الحالية لمركز أداء التي في مجملها متابعة للأداء الحكومي بناء على الأعمال والمخرجات وليس على النتائج التنموية المستهدفة، وهذا ما تبرز جلياً في تقارير الأداء السنوي للبرامج والجهات الحكومية، مع غياب لدور المركز في متابعة وتقييم الأداء والأثر التنموي لبرامج الرؤية.
- ضعف ممارسات تقييم البرامج والسياسات العامة مما يحرم صناع القرار من فهم جوانب القوة والضعف في الأداء التنموي لهذه السياسات واتخاذ ما يلزم من إجراءات تحسينية لرفع الأداء التنموي، يشمل ذلك عدم وجود منهجية وطنية لتطوير تقييم السياسات العامة.
- ضعف البرامج التدريبية المنفذة في هذه المجالات وبالتالي توفر القدرات البشرية المطلوبة لتفعيل هذه الممارسات، وانعدام البرامج ذات العلاقة خصوصاً من قبل معهد الإدارة العامة.
- غياب الجهة الرسمية المسؤولة عن تقييم الأداء والأثر التنموي للبرامج والسياسات العامة ودعم اتخاذ القرار للقيادة الحكومية في حال اقتصار دور مركز أداء كما هو الآن على متابعة تنفيذ هذه البرامج.
الحلول المقترحة
لتجاوز هذه الفجوات، يُقترح عدة إجراءات:
- تطوير الكفاءات: إنشاء برامج تدريبية مستمرة لرفع وعي وتحسين مهارات القطاع العام في مفاهيم وممارسات الإدارة بالنتائج واتخاذ القرارات المبنية على الأدلة، وإدراج هذه الممارسات ضمن برنامج القدرات البشرية وبرامج معهد الإدارة العامة. وقد يكون إعلان سمو وزارة الطاقة إطلاق أول كلية للدراسات العليا في السياسات العامة على مستوى المملكة، تستهدف مجالات الطاقة، والمناخ، والاستدامة، وذلك أثناء مؤتمر مبادرة القدرات البشرية لسد بعض هذه الفجوات.
- تعزيز التوجه نحو الأداء التنموي: تطوير ممارسات تقارير الأداء التنموي للبرامج والسياسات الحكومية لكل من الجهات التنفيذية وبرامج الرؤية ومكتب الإدارة الإستراتيجية نحو التركيز على الأداء التنموي أكثر من الأداء التشغيلي وأداء تنفيذ المشاريع.
- تحسين ممارسات تقييم وقياس أثر السياسات العامة: عبر تفعيل الممارسات الفضلى لتحليل وتطوير وتقييم السياسات العامة وتفعيل قرار مجلس الوزراء الموقر رقم (713) الخاص بقياس الأثر التنظيمي.
- تبني أفضل الممارسات الدولية: الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في مجال الإدارة المبنية على النتائج وقد تكون ممارسة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أحد أهم هذه الممارسات مع أهمية تكييفها مع السياق السعودي في كل من الترتيب الهيكلي للعمل الحكومي، والسياق والأوليات التنموية.
خاتمة
الإدارة المبنية على النتائج تمثل ركيزة أساسية لدعم تحقيق رؤية المملكة 2030، وأداة مثلى لتسريع تحقيق التطلعات الطموحة لقيادة المملكة، وتعظيم المنافع التنموية المخطط لها وكذلك إبراز الآثار التنموية التي تم تحقيقها. يأتي هذا مع إقتراب رؤية المملكة 2030 من نصف مدة تنفيذها والحاجة لتقييم الأداء التنموي لبرامج الرؤية، والعمل على تحسينها لتحقيق أفضل أداء تنموي ممكن.
تعزيز هذه الممارسات يتطلب جهودًا متواصلة ومبادرات مبتكرة، من كل الأجهزة الحكومية، خصوصاً من قبل مركز أداء وبرنامج التحول الوطني.