▪︎ مجلس نيوز
كان لبشرى قيام الدولة السعودية الأولى، ونشر مكانتها على كثير من مناطق الجزيرة العربية، وخاصةً المناطق ذات الاقتصاد القوي مثل الأحساء، أثرٌ إيجابيٌّ كبيرٌ في تنامي بنية اقتصاداتها، ممّا أدّى إلى تعدد مصادر الدخل في النظام المالي للدولة السعودية، ونتج عنه ازدهارٌ للحركة التعليمية في الدولة.
وقد أشار المؤرخ الفرنسي كورانسيز إلى أن في الدرعية ثلاثين مدرسةً علاوةً على ذلك العدد من المساجد، ومن الأمكنة العلمية منازل الشيخ محمد وأبنائه، وعلماء الدرعية، وقصور أئمة آل سعود، وخاصة قصر الإمام سعود بن عبدالعزيز الذي بُني فيه مكانٌ فسيحٌ لتلقي العلم فيه، ومن أماكن العلم مجمعٌ بُنيَ حول مسجد البجيري يتسع لحوالي مائتي شخصٍ يجلس فيه أبناء الشيخ بعد صلاة الفجر لتعليم الناس التوحيد وغيره من العلوم كالتفسير.
وكان يقوم على خدمة العلماء والتلاميذ أناس خصصوا لهذا الغرض؛ حيث تدار القهوة تنشيطًا للعلماء والمتعلمين على تحصيل العلم. كما أن من الأمكنة المخصصة للتعلم والتثقيف العام المكان المعروف بالباطن، وهو ساحةٌ كبيرةٌ معدةٌ للبيع والشراء إلّا أنها تستغل بعد انفضاض حركة السوق في المجال التعليمي لكبر ساحتها وشمولها للعامة والخاصة؛ حيث يتحلقون حلقاً حول العلماء.
كما كان في الدرعية مكتبةٌ عامةٌ كان العلماء يقضون فيها معظم أوقاتهم في القراءة والبحث والتحصيل، وكان فيها عددٌ كبيرٌ من الكتب في مختلف العلوم، فضلاً عن وجود عدد من المكتبات الخاصة بهؤلاء العلماء وغيرهم، وكانت مكتبات الدرعية تضم مجموعة كبيرة من الكتب.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن التعليم في الدرعية مجانيًّا، ويدرس في الدرعية الطلبة من سائر نواحي نجد ومن صنعاء وزبيد وعمان وغيرها من الأقطار. كما كان للطلبة نفقة جارية من بيت المال، وللأذكياء منهم جوائز فوق ذلك من مالٍ وكسوةٍ. أما على مستوى تعليم النساء، كان هناك نشر للعلم والمعرفة منقطع النظير تمثل في نشر المعرفة المبنية على المعلومة.
ويصف المؤرخ ابن بشر الدرعية وسوقها وملامح من وضعها الاقتصادي زمن الإمام سعود بن عبدالعزيز بقوله: ولقد رأيت الدرعية، وما فيه أهلها من الأموال وكثرة الرجال والسلاح المحلى بالذهب والفضة، وما عندهم من الخيل الجياد والنجايب العمانيات والملابس الفاخرة والرفاهيات ما يعجز عن عده اللسان، ويكل عن حصره الجنان والبنان، ولقد نظرت إلى موسمها يومًا، وأنا في مكان مرتفع، بين منازلها الغربية التي فيها آل سعود المعروفة بالطريف، وبين منازلها الشرقية المعروفة بالبجيري، التي فيها أبناء الشيخ (أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب)، ورأيت مواسم الرجال، ومواسم النساء، وما فيه من الذهب والفضة والسلاح والإبل والأغنام، وكثرة ما يتعاطَونه من صفقة البيع والشراء والأخذ والإعطاء وغير ذلك، وهو مد البصر لا تسمع فيه إلا كدوي النحل في لغط الأصوات وقول بعت واشتريت، والدكاكين على جانبيه الشرقي والغربي مملوءة من الهدم والقماش والسلاح وغير ذلك من الأمتعة ما لا يكاد يحيط به الوصف؛ فسبحان من لا يزول سلطانه وملكه”
وفيما يخص تنظيم المالية كان نصيب التعليم منه 25 % حيث إنه: تودع الأموال من مصادر الدخل جميعها في بيت المال، ما عدا الزكاة المحصلة من الأقاليم والقبائل؛ حيث تذهب إلى الدولة، ولكل قرية مهما كان حجمها بيت مالٍ خاصٌّ بها؛ حيث يدفع إليه السكان ما يترتب عليهم من أموال، ولكل بيت ماٍل كاتبٌ خاصٌّ به يُعيّنه إمام الدرعية، مزودًا بتعليماتٍ واضحةٍ، ؛ ذلك أن هذه الأموال مخصصة للخدمات العامة، ما يستوجب تقسيمها إلى أربعة أقسام، رُبعٌ يُرسل إلى الخزينة العامة في الدرعية ، ورُبعٌ مُخصصٌ لمعونة المعوزين من الفقراء من ذوي المسغبة (الجوعى)؛ كل في المنطقة ذات الاختصاص، ورُبعٌ يدفع للعلماء والفقهاء الذين يرشدون القضاة والأطفال، وشطرٌ من المال لإقامة وصيانة المساجد، وحفر الآبار العامة وسواها. ويُدفع نصف المال للجنود الذين يتزودون بالمؤونة عندما ينطلقون في حملة، أو في حالات الضرورة، ومعهم جمالهم، وقسمٌ يُدفع على نفقات الضيافة. أما المبالغ المخصصة للضيافة فتدفع نقدًا إلى أيدي الشيوخ؛ فيُخصّصُ كل منهم مَضْيَفةً عامةً، يأوي إليها الغرباء الذين يجدون حسن الوفادة وكرم الضيافة والطعام المجاني.
وفي الختام؛ لا يزال للحديث بقية بإذن الله تعالى.