▪︎ مجلس نيوز
بينما تخطو المملكة العربية السعودية بقوة نحو تحقيق أهداف رؤية 2030 الطموحة- والتي ترادف التغير، والاستكشاف والتطوير، فإن القطاعات الاقتصادية بمؤسساتها العامة وشركاتها الخاصة تسعى إلى اعتناق استراتيجيات التغير والتحول للخوض في المشاريع الريادية في ظل تقلب الأسواق، وارتفاع التعقيد والغموض أو حتى غياب المعلومة. يبرز هنا مصطلحٌ يحمل في طياته عصب التغير والتحول في الأعمال المؤسساتية والشركات، وهو ريادة الأعمال في عالم الشركات. هذا النهج الحيوي، الذي يغني المشاريع الاقتصادية والوطنية بالابتكار والمخاطرة والبحث الدائم عن النمو، والذي يمتلك إمكانات هائلة في قيادة مسيرة المملكة نحو آفاق جديدة من الازدهار.
في بداية الـ 2000، اكتشفت شركات التقنية الصغيرة القائمة على فكر ريادة الأعمال والتفكير التصميمي محورية وأهمية صفات ريادة الأعمال في دفع، وتنويع، وإبتكار نماذج الأعمال والمنتجات والذي تبلور في دفع مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية لاحتضان كبرى شركات التكنولوجيا اليوم بسبب نجاح منظومة الابتكار هنالك عبر تبني نموذج ريادة الأعمال في منظومة متكاملة تبدأ في التعليم والتطوير، وتمر بالاحتضان والتسريع وتنتهي بالتمويل والتوجيه. إن نجاح كبرى الشركات التقنية والتي أسست على توجه استراتيجي ريادي- يؤكد أن نموذج الأعمال التقليدي قد يواجه صعوبات ومتطلبات أكبر لتحقيق أهداف الأعمال العصرية والمتغيرة.
وعلى هذا السياق، فإن رؤية 2030 تستهدف بناء اقتصاد متنوع قائم على المعرفة، تدفعه روح الريادة والابتكار. هذا التحول الكبير والمستهدفات الطموحة تحفز القطاع العام والخاص – بالإضافة إلى القطاع الغير ربحي – للخروج من دائرة الممارسات التقليدية المريحة، وتبني نهج أكثر ديناميكية ومرونة. وبالقياس، فإن نجاح تبني نهج ريادة الأعمال في شركات التقنية الأمريكية يؤكد أهمية تبني مؤسساتنا لهذا النهج، إذ تبرز قيمة نموذج الموظف الرائد للأعمال في عالم الشركات والمؤسسات كإطار مثالي لريادة التحول. شركات وادي السيليكون الريادية أدركت أن النمو لا يأتي من تكرار الماضي، بل من استكشاف آفاقٍ لم تطأها قدمٌ من قبل أو حتى دمج أدوات تقليدية للوصول إلى منتج فريد، كالجمع بين صناعة الساعات بأشباه الموصلات و إلحاق البرمجيات لإنتاج الساعات الذكية.
ومن هذه الرؤية، تنبع أهمية تعزيز ثقافة ريادة الأعمال الداخلية. والتي تعني تمكين الموظفين من التفكير والتصرف كرواد أعمال داخل المؤسسات و الشركات، حيث تُشجع المبادرة والمخاطرة والتركيز على النتائج من خلال تحرير الإبداع الكامن والمختزل في أفراد القوة العاملة لتتحول المؤسسة إلى خلية نحلٍ من الأفكار الجديدة والمشاريع المبتكرة مع تبني ثقافة الأمن الوظيفي و الترحيب باحتمالية مواجهة تحديات في تنفيذ وقيمة الأفكار الجديدة والمشاريع المبتكرة وتقبل تعثر أو فشل بعضها – إذا يكفي أن تنجح فكرة واحدة في المحفظة للوصول إلى عوائد مجزية كما هو الحال في شركات استثمار رأس المال الجريء. شعور الموظف بالطمأنينة واحتمالية فشل أفكاره ومشاريعه دون معاقبته على تعثر هذه المشاريع لأسباب قد تكون خارج إطار صلاحياته أو حتى لأسباب وعوامل خارجية. ريادة الأعمال داخل الشركات والمؤسسات قد تكون أكثر صعوبة مقارنة بنظيرتها في الشركات الناشئة، لأن الأولى تتطلب امتلاك مهارات وسمات ريادة الأعمال بالإضافة إلى المهارات الإدارية والخبرات الفنية.
ولكن كيف تتحول الرؤية والثقافة إلى واقع ملموس؟ وكيف تتمكن بعض الشركات الريادية من تبني نهج وروح ريادة الأعمال بينما تفشل شركات أخرى في تطبيق هذا النموذج. تتسلح الشركات الريادية عادة بمجموعة من الأساليب والعمليات التي يمكن تكييفها مع مختلف المواقف والظروف السوقية، إذ تشير الأبحاث إلى أن هناك أربعة عناصر رئيسية يجب على أي شركة -تسعى للتغير والتحول- أن تتحكم بها عند محاولتها بناء نظام بيئي داعم للريادة، وتتمثل هذه العناصر في: الهيكل، والرقابة، والثقافة، والموارد البشرية حيث تشكل هذه العناصر الأربعة النظام البيئي اللازم لدعم الأنشطة الريادية.علاوة على ذلك، تحتاج المؤسسات إلى اتخاذ نهج شامل لمراجعة الترابط بين الأنشطة الريادية الفردية داخل الشركة والرؤية الاستراتيجية الشاملة للمؤسسة لإيصال الريادة إلى المستوى المؤسسي وهذا يعني أن الأفراد والفرق الداخلية مدعومة للوصول إلى منتجات ومشاريع وأفكار جديدة عبر استخدام الأدوات والقوى الموجودة داخل الشركة للوصول إلى منتج أو مشروع جديد، وبذلك يتم تحويل نقاط القوة إلى جسور نحو الفرص واستغلال الموارد الإبداعية .
إن المفتاح الحقيقي للنجاح في عالم اليوم المتسارع والمتغير هو احتضان التعلم والابتكار المستمر. المؤسسات والشركات التي تزرع ثقافة التعلم والتجربة، وتشجع موظفيها على استكشاف المجهول وخوض غمار التحديات، ستكتسب القدرة على التكيف والنمو في ظل أي ظرف من خلال ترسانة من المهارات البشرية “الكامنة” لدى طاقمها. التعلم والابتكار المستمر – رغم احتمالية الفشل – ليس نهجاً ترفياً، بل ضرورة لازمة في عالمٍ تتغير فيه قواعد اللعبة كل يوم للوصول لسقف الطموح العالي، بينما يظل الفكر التقليدي سلبياً في نظرته لهذه الطموحات التي قد يعبر عنها بأنها أحلام نظراً لعدم حيازته للعناصر البيئة الأربعة، والقادرة – بالرغم من سهولتها- على تذليل الوصول لهذه المستهدفات العظيمة وتغيير دفة السفينة. غير أن الاحتضان يحتاج إلى خلق التوازن بين تطبيق معايير الرقابة والحفاظ على مستوى مناسب من المرونة حيث يجب توفير الموارد اللازمة التي تمكن الموارد البشرية من استكشاف المبادرات مع ضرورة التمسك بقدر معقول من الرقابة ضمن الأنظمة التنظيمية داخل هيكلة الشركة أو المؤسسة، فإلغاؤها التام والاعتماد المطلق على التفكير الريادي قد يؤثر على استدامة نموذج الأعمال التقليدي واختلال التوزان بين الابتكار والتطوير على حساب الإنتاجية والتدفقات المالية.
رحلة ريادة الأعمال – سواء على الصعيد الفردي أو المؤسساتي – لا تكتمل إلا بالتعاون وبناء الشراكات الاستراتيجية. فالشركات والمؤسسات الناجحة تدرك أن الابتكار لا يأتي وحيداً، بل يتطلب تعاوناً وتكاتفاً مع شركاء النجاح من أجل الحصول على محصلة إيجابية للجميع. من هنا، نرى ظهور تحالفات قوية بين الشركات والجامعات والمعاهد ومؤسسات البحث، تتعاون لتسريع الابتكار وفتح أبواب أسواق جديدة عبر تأسيس كيانات تحالفية متعاضدة استراتيجياً من عدة جهات ومؤسسات وشركات لتحقيق هدف استراتيجي حيث كل شريك يمثل قطعةً في لوحة أكبر، وكل مساهمة مهما بدت صغيرة، تساهم في بناء اقتصادٍ متكاملٍ ومزدهر وتحقيق عوائد اقتصادية، ومالية واجتماعية للوطن والمواطن والقطاع الخاص. هنا يبرز دور التفكير الريادي باستحداث مشاريع، أو تبني تقنيات، أو تأسيس التحالفات والشراكات أو حتى دمج نماذج أعمال كالشراكات الغير تقليدية بين القطاعات الثلاثة لتبني مسرعة أو حاضنة أعمال موجهة لسد فجوة في السوق المحلي.
إن تبني روح ريادة الأعمال في المؤسسات والشركات من شأنه دعم الوصول لأي مستهدف طموح، غير أنه لن يقتصر على تحسين ربحية الشركات والمشاريع في سياق مشاريع التحول ورؤية 2030 للوصول إلى الاقتصاد المزدهر، بل سيمتد ليشمل المجتمع الحيوي والوطن الطموح. الشركات والمؤسسات الريادية ستبتكر حلولاً للمشاكل الاقتصادية، والمالية، والاجتماعية، وتخلق فرص عمل للشباب، وتساهم في تعزيز التمكين الاقتصادي.