▪︎ مجلس نيوز
تتوالى الأخبار والنتائج المتميزة عن حالة واستقرار نمو مؤشرات الاقتصاد السعودي ومسيرته في التعافي الكامل من آثار الجائحة، ومن التقلبات الحادة التي شهدتها أسواق النفط العالمية.
ولعله من المهم الإشارة في مقدمة هذه الكلمة أن تأتي الأرقام والتقارير الاقتصادية لتؤكد ويدعم بعضها بعضا، ففي تقرير سابق نشرته “الاقتصادية” عن البيان الختامي لخبراء صندوق النقد الدولي بشأن مشاورات المادة الرابعة من نظام الصندوق، فقد أشار البيان إلى سلامة ونجاح منظومة الإصلاح الاقتصادي التي انتهجتها المملكة.
كما توقع خبراء الصندوق نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي 2.1 في المائة خلال العام الجاري، و4.8 في المائة في عام 2022، وأن يصل النمو غير النفطي إلى 3.9 في المائة في عام 2021، و3.6 في المائة في عام 2022.
وبالأمس نشرت وزارة المالية السعودية في موقعها الرسمي التقرير الربعي لأداء الميزانية العامة عن الربع الأول من العام المالي 2021، وهو تقرير مرحلي مهم جدا، ومن نتائج مبادرات رؤية السعودية 2030، لمنح الأسواق معلومات دورية عن حالة المالية العامة بشفافية كافية، وهو ما يسمح بتقييم اتجاه الميزانية لتحقيق مستهدفاتها التي أعلنت عنها في التقديرات الأولية في بداية العام ويظهر أي تحولات متوقعة.
وتؤكد نتائج الربع الأول المضي قدما في تنفيذ برامج وخطط ومستهدفات رؤية السعودية 2030، وتبرهن هذه النتائج مع التقارير الدولية المستقلة على سلامة ونجاح الجهود التي تقوم بها الحكومة السعودية، وصولا إلى تحقيق الاستدامة المالية، وتعزيز متانة وقوة الاقتصاد السعودي رغم كل الظروف والتحديات.
يأتي التقرير الربعي الأول للعام المالي 2021، ببشائر عدة أولها ارتفاع إيرادات الميزانية السعودية 7 في المائة خلال الربع الأول من العام الجاري، لتبلغ 204.76 مليار ريال مقابل 192.07 مليار ريال في الفترة نفسها من العام الماضي.
وقد جاء ارتفاع الإيرادات بشكل مباشر من ارتفاع الإيرادات غير النفطية بنسبة 39 في المائة، لتبلغ 88.18 مليار ريال مقابل 63.3 مليار ريال، وهذا الارتفاع في الإيرادات غير النفطية يعكس نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي الطموح “رؤية السعودية 2030” في تنويع مصادر الدخل بعيدا عن النفط.
ويعد الاستقرار المالي الذي شهدته الميزانية العامة في الربع الأول من العام المالي 2021، في وقت كانت الإيرادات النفطية قد تراجعت بنسبة 9 في المائة لتبلغ 116.57 مليار ريال في الفترة نفسها من العام الماضي، مقابل 128.77 مليار ريال في الفترة نفسها من العام الماضي.
إن هذا الانخفاض في الإيرادات النفطية في أعوام ماضية قبل برامج الإصلاح الاقتصادية يؤدي حتما إلى تراجع الإيرادات العامة، لكن هذه لم تعد هي الحال بعد انطلاقة الرؤية خاصة أن تراجع الإيرادات النفطية يأتي بشكل رئيس من تحمل السعودية تعهداتها الدولية بخفض إنتاجها ضمن تحالف “أوبك +” لاستعادة الاستقرار للسوق النفطية.
فالتحولات الناجحة في دعم الإيرادات العامة من خلال الإيرادات غير النفطة منح الحكومة السعودية هوامش واسعة لمعالجة اختلالات السوق النفطية دون قلق كبير على حالة الاقتصاد الداخلية، وهو ما لم يكن متاحا فيما مضى، فالنتائج العامة لرؤية السعودية 2030 جاءت في وقت مهم، وأكدت سلامة وحكمة المسار الذي يسير عليه الاقتصاد السعودي.
في الجانب الآخر من الميزانية تأتي المصروفات بانخفاض بنسبة 6 في المائة إلى 212.2 مليار ريال في الربع الأول من العام الجاري مقابل 226.17 مليار ريال في الفترة نفسها من العام الماضي، وذلك على الرغم من الدعم المستمر لمواجهة الأزمة ومن بينها دعم القطاع الصحي وبرامج منظومة الدعم والإعانات الاجتماعية، وتحمل الحكومة من خلال نظام “ساند” 60 في المائة من رواتب عدد من موظفي القطاع الخاص السعوديين.
كما بلغ حجم الإنفاق الرأسمالي المنصرف فعليا بحسب ميزانية السعودية للربع الأول من العام الجاري نحو 14.94 ونحو 7 في المائة من إجمالي المصروفات الفعلية للفترة، ومع استمرار هذا الدعم والصرف المخطط له فقد تراجع العجز 78 في المائة، ليبلغ 7.4 مليار ريال في الربع الأول من العام الجاري مقابل 34.1 مليار ريال في الفترة نفسها من العام الماضي.
هذا نجاح كبير قد أشاد به خبراء الصندوق في بيانهم الختامي وأكدوا أن المالية السعودية قادرة على الوصول إلى التوازن المالي في عام 2026، ذلك أن انخفاض العجز قد نتج عن عمل كبير لرفع إيرادات الدولة وضبط تراجع المصروفات، ما يدل بشكل واضح على أن السيطرة على العجز أصبحت واقعا وأن لدى المالية العامة قدرة على الوصول إلى التوازن في الوقت المخطط له، ولولا الجائحة التي أثرت في مسار الخطط لكان تحقيق التوازن في وقت مبكر بنتائج كبيرة مقارنة بالوضع الحالي، وفي ظل تحسن الإيرادات النفطية فإن حدوث ذلك أمر قريب.
كما أن تغطية العجز قد حدثت بمرونة مميزة من خلال قنوات التمويل، حيث حافظت المالية على أرصدة الاحتياطيات، وهو ما أعلنته سابقا في بيان الموازنة العامة بداية العام الحالي وحققت التزاما كاملا بذلك، وبالتالي فإن الحفاظ على مستويات الاحتياطيات العامة وأرصدتها القوية يمنح الثقة ويعزز من قوة الائتمان، كما يحسن من التصنيفات الائتمانية.
مع تكامل هذه المؤشرات المالية والتقارير الدولية فإن الاقتصاد السعودي يمر بمرحلة استقرار مع دعائم استدامة مالية قوية بما يعزز الانتقال للمرحلة الثانية من تنفيذ برامج الرؤية، خاصة دخول صندوق الاستثمارات جنبا إلى جنب مع الميزانية العامة للدولة في الإنفاق الرأسمالي ليصل خلال العام الجاري ما بين 251 و 261 مليار ريال، منها 101 مليار ريال مخصص الميزانية، وكذلك ما بين 150 و 160 مليار ريال من قبل صندوق الاستثمارات العامة، كما سيضخ الصندوق استثمارات تقدر بنحو تريليون ريال خلال الأعوام الخمسة المقبلة ويسهم في استحداث 1.8 مليون وظيفة بشكل مباشر وغير مباشر بنهاية عام 2025.
كل هذه الأرقام والنتائج البارزة تؤكد وتعزز أن مسيرة الإصلاح في الاقتصاد السعودي تسيير بخطى حثيثة وناجحة، وفقا لما هو مخطط له ضمن برنامج رؤية 2030.