▪︎ مجلس نيوز
رسمت رؤية السعودية 2030 خارطة طريق شاملة لتحقيق التنمية المستدامة للمملكة العربية السعودية، وذلك بفضل توجهات القيادة الحكيمة، ومن بين ركائز هذه الرؤية يبرز قطاع الخدمات اللوجستية كعنصر أساسي لأهميته الاستراتيجية في تحقيق التنويع الاقتصادي، وإيجاد فرص العمل، ورفع القدرة التنافسية العالمية للمملكة.
في هذا المقال، سنتعمق في الجوانب الرئيسية حول قطاع الخدمات اللوجستية في المملكة.
تسعى المملكة العربية السعودية بعزم إلى تحقيق التنوع الاقتصادي باعتباره جزء لا يتجزأ من رؤية 2030، وبعيدًا عن الاعتماد على العائدات النفطية. يشمل هذا التحول تطوير قطاعات مختلفة مثل: الصناعة والسياحة والتكنولوجيا، ويكمن جوهر التنويع في أهمية البنية التحتية اللوجستية الفعالة، كما تجدر الإشارة إلى أن قطاع الخدمات اللوجستية نفسه متأهب جداً ليصبح مصدرًا ضخمًا للإيرادات ليعزز التنوع الاقتصادي.
تعد كفاءة إدارة سلسلة التوريد في ظل اقتصادنا العالمي المترابط؛ ذات أهمية قصوى بالنسبة للشركات العاملة في المملكة العربية السعودية، وذلك لأن النظام اللوجستي المُنظم يلعب دور أساسي في تقليل التكاليف التشغيلية، ويسهم في تعزيز فرص توفر المنتجات، وتحسين القدرة التنافسية، كما أن تيسير العمليات اللوجستية يُمكّن الشركات المصنعة من خفض النفقات المتعلقة بالنقل وإدارة المخزون، فيؤدي ذلك إلى تقليل التكاليف المرتبطة بتخزين ومناولة ونقل المواد الخام والسلع بشكل كبير.
كما أن فعالية الأنظمة اللوجستية تُمهد الطريق لاعتماد ممارسات التصنيع في الوقت المناسب، مما يقلل بشكل كبير من الحاجة إلى الاحتفاظ بالمخزون الفائض، وهو ما يسهم في توفير التكاليف، كما أن العمليات اللوجستية الفعالة تضمن إمدادات ثابتة يمكن الاعتماد عليها من المواد الخام والمكونات، وبالتالي التقليل من مخاطر تعطل الإنتاج بسبب نقص المواد.
إن مساهمة اللوجستيات الفعالة في الاقتصاد السعودي هي مساهمة مباشرة وغير مباشرة كذلك، فهي أولًا تلعب دوراً محورياً في تسهيل تصدير منتجات النفط والطاقة، وهذا أمر لا غنى عنه للمملكة العربية السعودية باعتبارها واحدة من أهم منتجي ومصدري النفط في العالم، كما تمثل الخدمات اللوجستية أهمية قصوى للنقل السلس لهذه المنتجات إلى الأسواق الدولية، ما يضمن استمرار تدفق الإيرادات إلى المملكة. وعلى الصعيد الآخر، تعمل اللوجستيات الفعالة كعامل جذب قوي للتجارة والاستثمار، اللذان يُعدان عنصران حيويان في رؤية المملكة، فلا يمكن الاستغناء عن وجود شبكة لوجستية محسنة بشكل جيد من أجل التدفق السلس للسلع داخل المملكة وخارجها، وخفض الحواجز التجارية، وتعزيز بيئة أعمال أكثر ملاءمة، كما أن الحركة المتزايدة للسلع تؤدي إلى تسريع توليد الإيرادات وتعزيز إنتاج البضائع، وبذلك تخلق تأثيرًا مضاعفًا من خلال خلق المزيد من فرص العمل، مما يؤدي إلى تطوير قطاع اللوجستيات في حلقة مثمرة تمهد الطريق لتعزيز اقتصاد المملكة بشكل عام.
وتعد الخدمات اللوجستية عاملاً مؤثراً بشكل إيجابي على قطاعات السياحة والرياضة والترفيه المزدهرة في المملكة العربية السعودية، فالمملكة بدورها تعمل بشكل استباقي على تطوير صناعة السياحة، مع التركيز بشكل خاص على جذب الزوار إلى معالمها التاريخية والثقافية، فوجود بنية تحتية لوجستية تعمل بكفاءة، هو أمر محوري لتلبية احتياجات السياح وضمان تلبية متطلبات سفرهم، ففي عام 2022، استقبلت المملكة العربية السعودية 93.5 مليون سائح، من بينهم 77 مليون زائر محلي و 16.5 مليون زائر دولي، ليؤكد هذا التدفق الملحوظ على الدور الحيوي للدعم اللوجستي القوي في فتح آفاق جديدة للسياحة من خلال تعزيز إمكانية الوصول والاتصال بالوجهات السياحية المتنوعة، كما تضمن الموثوقية والكفاءة من حيث التكلفة في تقديم المنتجات والخدمات، وبالإضافة إلى ذلك أيضًا فاللوجستيات الفعالة تكون مفيدة في أوقات الطوارئ، لضمان الاستجابة السريعة والفعالة للكوارث الطبيعية والحوادث.
كما أن قطاعي الرياضة والترفيه يستفيدان بشكل كبير من الخدمات اللوجستية المبسطة، حيث تضم المملكة العربية السعودية 213 ملعبًا رياضيًا وملاعبًا داخلية تستوعب مجتمعة عدة ملايين من السياح المحليين والدوليين على حد سواء الذين يمكنهم المشاركة بسهولة في الأحداث الرياضية، بدعم من الخدمات اللوجستية الفعالة، مما يساهم بشكل أكبر في نمو هذا القطاع.
ومن جهة أخرى فإن الخدمات اللوجستية الفعالة تساهم أيضًا في رفاهية السعوديين بطرق مختلفة، فالزيادة الهائلة والتي بلغت 460٪ في النشاط الذي شهدته تطبيقات التوصيل في السعودية حتى يناير 2022، تعد دليلاً على النمو الكبير في الاقتصاد الرقمي، وهو نمو يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالبنية التحتية اللوجستية الفعالة في المملكة، فلم يقتصر هذا الازدهار في تطبيقات التوصيل على توفير الوقت للمقيمين من خلال تقديم خيارات مريحة لتناول الطعام فحسب، بل أدى أيضًا إلى توسيع نطاق وصولهم إلى مجموعة متنوعة من السلع والمنتجات العالمية بتكاليف معقولة.
إضافة إلى ذلك، تدعم الخدمات اللوجستية الفعالة التبادل الثقافي والسياحي، مما يمكّن المواطنين من استكشاف ثقافات مختلفة وتوسيع آفاقهم. غير أن الاستثمارات في البنية التحتية اللوجستية، مثل الطرق والموانئ والمطارات، تقوم بتبسيط حركة البضائع؛ فهي تعزز البنية التحتية الشاملة، وتضمن تمتع المواطنين بطرق سريعة ، وخيارات موسعة للنقل العام، وتجارب للسفر أكثر أمانًا كذلك.
وبالنظر للفوائد العديدة التي يوفرها النظام اللوجستي الفعال، تتخذ المملكة العربية السعودية خطوات استباقية نحو بناء شبكة لوجستية واسعة النطاق ومنظمة بشكل متقن، حيث كُشف الستار عن خطط لبناء 59 مركزًا لوجستيًا في جميع أنحاء المملكة بحلول عام 2030 بتوجيهات من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وتحدد الخطة الرئيسية للمركز اللوجستي بناء هذه المراكز بسعة إجمالية تتجاوز 1.07 مليار قدم مربع.كما قامت المملكة بتوقيع اتفاقيه مع شركة الحلول اللوجستية العالمية الدنماركية (DSV) بما يزيد عن 10 مليار دولار لتوسيع شبكات الخدمات اللوجستية بالمملكة.
ونظراً لتلك المساعي لتحسين جودة حياة السعوديين بشكل كبير، والتي ستؤدي إلى مزيد من الراحة وخفض تكاليف المعيشة في البلاد، فمن المتوقع جذب المزيد من السياح المحليين والدوليين، وبالتالي خلق فرص عمل جديدة، ورفع الإيرادات من خلال الأحداث الرياضية. وفي نهاية المطاف، فإن تطوير البنية التحتية اللوجستية في المملكة العربية السعودية سوف يسهم بشكل كبير في رفاهية المملكة ومواطنيها.
ولتقديم الدعم لهذا التحول القائم على الخدمات اللوجستية، هناك عدة طرق لاستكشافها. أولاً التعبير عن الدعم للخطة اللوجستية المضمنة في رؤية 2030 والمراكز اللوجستية التسعة والخمسين، قد يكون له تأثير إيجابي.
ثانيًا، وهو الأمر الأكثر أهمية، الاستفادة الكاملة من الفوائد التي تقدمها هذه المراكز من خلال استكشاف فرص التجارة والاستثمار الدوليين التي تتيحها اللوجستيات الفعالة.
علاوة على ذلك، فإن تسخير المزيد من الجهود لتطوير التكنولوجيا المتعلقة باللوجستيات، لا سيما تبني الابتكارات مثل الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة يمكن أن يعزز الكفاءة اللوجستية بشكل كبير.
فمن خلال تنفيذ خوارزميات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة يمكن التنبؤ بالطلب، وتحسين المخزون، والصيانة التنبؤية للمركبات والمعدات، وكلها أمور محورية لكفاءة الخدمات اللوجستية. وأخيرًا، يعد الاستعداد لتبني الراحة المتزايدة التي توفرها الخدمات اللوجستية الأكثر كفاءة في المملكة العربية السعودية بمثابة مسار عمل حكيم، لأنه يَعِد بتغييرات إيجابية على الروتين اليومي والرفاهية العامة وجودة الحياة.
وبشكل موجز، فإن قطاع الخدمات اللوجستية قطاع واعد للغاية باعتباره حجر الزاوية في رؤية السعودية 2030، ومن خلال السعي الدؤوب لإنشاء بنية تحتية لوجستية فعالة، تقف المملكة على أهبة الاستعداد لتحقيق التنوع الاقتصادي، وتوفير فرص العمل، ورفع قدرتها التنافسية العالمية، فهذه الرحلة التحولية تحمل وعودًا بتغطية كافة جوانب المجتمع السعودي، بدءًا من تعزيز الاقتصاد إلى رفاهية المواطنين.
وسيكون دعم والتزام أصحاب المصلحة، والالتزام بالابتكار التكنولوجي، عاملًا محوريًا في تحقيق هذه الرؤية.