▪︎ مجلس نيوز
الرأي الشائع هو أن الرئيس الأمريكي جو بايدن يعمل على أنها “حقبة الحكومة الصغيرة” ورأسمالية السوق الحرة غير المقيدة التي تعود إلى عهد رونالد ريجان ومارجريت تاتشر في الثمانينيات. لكن تلك الحقبة مجرد خرافة.
منذ عام 1980، كان الإنفاق الحكومي ثابتا، وحتى إنه ارتفع بشكل طفيف كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاقتصادات المتقدمة الأخرى. تحول العجز من أمر نادر إلى روتيني، في الأعوام الجيدة والسيئة. ارتفعت الديون العامة في الدول المتقدمة – في الولايات المتحدة إلى أكثر من 120 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي. والحكومات كبيرة بالقدر نفسه وأكثر تدخلا من أي وقت مضى.
الدور الاقتصادي المتزايد للحكومة يتجاوز العجز والديون. ارتفع الإنفاق على الرعاية الاجتماعية في الولايات المتحدة، بما في ذلك برنامج ميديكير وبرنامج ميديكير والضمان الاجتماعي، تدريجيا من أقل من 10 في المائة إلى أكثر من 17 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بين عام 1980 وأواخر عام 2020. ونمت دولة الرعاية الاجتماعية بشكل ثابت.
كذلك فعلت الدولة التنظيمية. ارتفع إنفاق الهيئات التنظيمية في الولايات المتحدة في عهد كل رئيس بعد ريجان. وزاد حجم دليل اللوائح الفيدرالية شيئا فشيئا، قبل دونالد ترمب. الاتجاه نفسه ينطبق على المملكة المتحدة.
أصبحت عمليات إنقاذ الشركات إجراء عاديا. كانت عمليات الإنقاذ في الماضي مخصصة للشركات الفردية، لكن تم تمديدها لتشمل صناعة بأكملها خلال أزمة المدخرات والقروض في الثمانينيات والتسعينيات. بعد عام 2008، تم تمديدها لتشمل البنوك الكبيرة وشركات السيارات. خلال الوباء، كانت عمليات الإنقاذ معروضة على أي شركة تقريبا تقدمت بطلب إنقاذ.
في الدول المتقدمة، أطلقت الحكومات مزيدا من برامج التحفيز المالي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي في كل أزمة متعاقبة. في الولايات المتحدة، وصل التحفيز المالي إلى نسبة قياسية جديدة بعد الحرب العالمية الثانية بلغت 4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بعد انفجار فقاعة الدوت كوم و7 في المائة بعد الأزمة المالية و13 في المائة العام الماضي.
كذلك من الصعب أيضا الحفاظ على رواية أن البنوك المركزية ليست جزءا من الحكومة الكبيرة. هناك التصاق وثيق بينهما. لا تستطيع الحكومات السماح بتراكم العجز والديون بهذا الشكل الحاد دون دعم البنك المركزي. وقد أصبحت البنوك المركزية داعمة بقوة، سواء في إبقاء تكاليف الاقتراض منخفضة أو كمشترين في أسواق الديون. حساباتي تشير إلى أن التحفيز المالي والنقدي العام الماضي وصل إلى نسبة قياسية بلغت 28 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة، و40 في المائة في الاقتصادات المتقدمة في المتوسط.
إذن، لماذا تزدهر خرافة الحكومة الصغيرة في حين أن الحقائق لا تدعمها؟.
عادة ما تروى القصة على أنها تاريخ أفكار، بدءا من تحرير الأنظمة وخفض الضرائب والسياسات الأخرى المناهضة للدولة في عهد ريجان وتاتشر. يتم تصوير خلفائهما الوسطيين، من توني بلير وبيل كلينتون إلى باراك أوباما، بأنهم أتباع معتقدات السوق الحرة التقليدية هذه، الذين ساعدوا على نشر أيديولوجية “الليبرالية الجديدة” في جميع أنحاء العالم. من خلال تجميع جميع الوقائع التي شكل فيها التفكير الليبرالي الجديد السياسة، ويقوم المعلقون بإنشاء صورة لتراجع الحكومة الثابت.
لكن أفكار السوق الحرة لم تقلص حجم الدولة، باستثناء بعض التخصيص للشركات المملوكة للدولة. كثير مما تبقى مجرد كلام. يردد كثير من الجمهوريين وجهة نظر ريجان أن “الحكومة هي المشكلة”، لكن حلهم الرئيس هو خفض الضرائب، وهو أمر نادرا ما يقابله خفض الإنفاق. منذ عام 1980، كل رئيس جمهوري كان يعاني عجزا، كل عام، وكذلك كل رئيس ديمقراطي، باستثناء كلينتون.
الانطباع أن الحكومات تراجعت، تاركة الأسواق في حالة هياج، يتأثر أيضا بأسعار الأسهم والسندات الجامحة. قيمة الأسهم والسندات العالمية التي كانت 12 تريليون دولار في عام 1980، تبلغ الآن نحو 370 تريليون دولار. لكن هذا الارتفاع قد لا يكون نتيجة تراجع الحكومة، على شكل تحرير الأنظمة، بقدر ما هو دعم الدولة، خاصة عمليات الإنقاذ والأموال السهلة من البنوك المركزية.
أخيرا، غيرت أيديولوجية السوق الحرة بالفعل الدول الاشتراكية سابقا مثل الصين، الهند، وأوروبا الشرقية، حيث تلعب الدولة الآن دورا اقتصاديا أصغر بكثير مما كانت تفعل قبل 40 عاما. ربما يكون هذا الواقع، المستمد من العالم الناشئ، قد شجع على سوء الفهم بأن الحكومات تتراجع في كل مكان. مؤيديو بايدن التقدميون قد يشيدون به لإنهاء فكرة الحكومة الصغيرة، لكن هذا لم يحدث في الولايات المتحدة.
النقاش بشأن المكان الذي يقوم بايدن بتوجيه أمريكا والعالم إليه يجب أن يبدأ بفهم واضح للمكان الذي أتى منه. تم وصف خططه – لحزم إنفاق متعددة بتريليونات الدولارات وأنظمة جديدة وغير ذلك – بشكل دقيق بأنها الأكثر تطرفا من أي رئيس منذ عقود. لكنها لا تمثل نهاية. بل تشير إلى أحدث تصعيد للحكومة الكبيرة.
كبير خبراء الاستراتيجية العالمية في مورجان ستانلي لإدارة الاستثمار، ومؤلف كتاب «القواعد العشر للدول الناجحة»