▪︎ مجلس نيوز
منذ بدأ سريان نظام الشركات الجديد، ثار نقاش حول وجود مواطن ضعف في النظام بخصوص الجمع بين منصب رئيس مجلس إدارة الشركة وبين منصب الرئيس التنفيذي لنفس الشركة. والمسمى العلمي له هو ازدواجية الرئيس التنفيذي. وكان من ضمن الحجج التي تم تبنيها لدعم هذه الفكرة، أنه في نظام الشركات السابق، نص صراحة على عدم جواز الجمع بين منصب رئيس مجلس إدارة وبين منصب الرئيس التنفيذي. السؤال هنا لتوضيح اللبس الحاصل بخصوص هذه النقطة، هي هل فعلا يعتبر الصمت عن توضيح هذه المسألة أمر مقصود أم لا؟
ممارسة الفصل بين منصب الرئيس التنفيذي و رئيس مجلس الادارة لذات الشركة ظهرت منذ انهيار الشركات الكبرى في العالم نتيجة جرائم الفساد في عام 2000م، وارتفعت الاصوات اكثر لتعزيز ممارسة الفصل بين الاشخاص الذين يشغلون المنصبين بعد الازمة المالية عام 2008م. وبالتالي، الفصل بين منصب الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس الادارة له مكاسب كثيرة، وتعتبر من أهم ممارسات الحوكمة الجيدة في كل مؤسسة. ومع ذلك، سكت نظام الشركات عن تنظيم هذه النقطة، فلم يوردها لا بالايجاب ولا بالسلب. وبالتالي السكوت يعني جواز الجمع بين المنصبين في ذات الشركة. نصل الى نقطة هامة الان، وهي هل مبدأ ازدواجية الرئيس التنفيذي تنطبق على كل انواع الشركات؟
لعلنا نبدأ في توضيح مفهوم أساسي في القانون ألا وهو مبدأ التدرج في القوانين. ويعني هذا المبدأ الدستور يعتبر هو اقوى مصدر من مصادر القانون، يليه في القوة الانظمة و القوانين المكتوبة، يليها اللوائح. وبالتالي، يجب على النظام ألا يعارض الدستور، كما يجب على اللائحة الا تعارض النظام والدستور. النقاش الذي يدور حاليا، هو كيف يمكن ترك مثل هذه المسألة من دون تنظيم او ضبط.
اولا، من الجيد الاشارة هنا ان ليست جميع أنواع الشركات تخضع لمسألة ازدواجية منصب الرئيس التنفيذي. حيث ان شركات المساهمة المدرجة في سوق الأسهم لا يشملها هذا النص. فقد نصت لائحة حوكمة الشركات في المادة ٢٤/ب انه لا يجوز الجمع بين منصب رئيس مجلس الإدارة وأي منصب تنفيذي آخر في الشركة، حتى ولو نص نظام الشركة على ذلك. كما نصت المادة ٢٨ على عدم جواز تعيين الرئيس التنفيذي رئيسا لمجلس إدارة الشركة خلال السنة الأولى من انتهاء خدمته كرئيس تنفيذي للشركة. وبالتالي، اشكالية الجمع بين وظيفة رئيس مجلس الادارة والرئيس التنفيذي ليست موجودة في شركات المساهمة المدرجة في السوق. ولكن، ماذا عن شركات المساهمة المدرجة في “نمو”، أو أنواع الشركات الاخرى. اعتقد المنظم سكت عن تنظيم هذه المسألة بسبب اهتمام المنظم بدعم المنشآت المتوسطة والصغيرة والمتناهية في الصغر، كذلك بسبب دخول انواع جديدة من الشركات، مثل شركة المساهمة المبسطة والتي تدعم أيضا الشركات الصغيرة والمتوسطة. وهذه كما اوضح النظام، تم اعفائها من العديد من المتطلبات التي يجب ان تتوافر في شركات المساهمة، فلا تحتاج الى عقد تأسيس ويكفي وجود نظام تأسيس للشركة. ايضا، يتم إعفاء هذه الشركات من متطلب تعيين مراجع حسابات، عدم اشتراط حد أدنى لرأس المال، تحديد طريقة ادارة الشركة في نظامها الأساسي ..الخ. اعتقد ان المنظم احسن في السكوت عن الجمع بين منصب رئيس مجلس إدارة وبين الرئيس التنفيذي من أجل دعم الاستثمار في مرحلة البناء والنمو. حيث يصعب على مثل هذه المنشآت ان تطبق هذه الفصل بين المنصبين.
ولكن هناك أيضا شركات كبرى قد يؤدي الجمع بين المنصبين الى تحقق تعارض مصالح كبير. نعلم في بعض الدول مثل بريطانيا و امريكا تسمح بمثل هذه الممارسة. حتى تكاد ١٥٪ من الشركات البريطانية هناك تطبق هذه الممارسة. والهدف هو تسريع اتخاذ القرار. ولكن، من اشهر الامثلة التي أوضحت الخسائر من الجمع بين الوظيفتين اكثر من المكاسب هي شركة دانون. تنحى إيمانويل فابر عن منصبه المزدوج كرئيس مجلس إدارة ومدير تنفيذي لشركة دانون ، شركة الأغذية متعددة الجنسيات التي تأسست في برشلونة ومقرها الآن في باريس. انضم فابر إلى الشركة في عام 1997 ، أصبح فابر الرئيس التنفيذي لشركة Danone في عام 2014 ، ثم أصبح أيضًا رئيسًا لمجلس إدارة الشركة في عام 2017. وكان التفكير وراء ذلك هو أن الجمع بين الدورين في شخص واحد سيؤدي إلى اتخاذ قرار أسرع. وعلى الرغم من مهارة فابر في الادارة ، الا ان ازدواجية المنصبان تجعله هو الحكم والقاضي في ذات الوقت. ولذلك اتخذ قرارات بحكم انه رئيس مجلس إدارة ورئيس تنفيذي لا تصب في مصلحة المساهمين ولا الملاك. في النهاية ، اضطر فابر إلى التنحي عن دوره كرئيس تنفيذي بسبب أدائه الباهت وانخفاض سعر السهم ، ووفقًا لبعض التقارير ، تم طرد فابر من وظيفته من قبل المساهمين النشطاء.
في الختام، أعتقد ان تضمين مبدأ ازدواجية وظيفة رئيس مجلس إدارة ورئيس تنفيذي يعتبر تطور في نظام الشركات اذا كان المستهدف هنا هي الشركات الصغيرة والمتوسطة. ولكن ينبغي معاملة الشركات الكبرى والشركات الآخذة في النمو والازدهار بطريقة مختلفة عن الشركات الصغيرة والمتوسطة. اعتقد ان اللائحة التنفيذية يجب أن تهتم بتحديد رأس مال الشركة الذي يتيح إعمالها مبدأ الازدواجية بين رئاسة مجلس الادارة وبين الرئيس التنفيذي. اذ ان الجمع غالبا خسائره أكثر من فوائده والعكس صحيح في حالة الشركات الكبيرة و الشركات الناجحة ذات الاثر الاقتصادي الجيد على الدولة. وقد يقول البعض ان من الممكن تضمين نظام تأسيس الشركة على عدم إعمال مبدأ الازدواجية، وهذا صحيح. ولكن لن يكون قاعدة قانونية ملزمة، وإنما الشركات طالما انها ليست مدرجة في سوق الاسهم، فهي بالخيار بخصوص هذه المسألة، وهذا يقود الى تشجيع تعارض المصالح والذي قد ينتج عنه ممارسات لا تصب في صالح الشركة والملاك والمساهمين.