▪︎ مجلس نيوز
وقع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، والرئيس الصيني شي جين بينغ اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين خلال زيارة يجريها الرئيس الصيني للمملكة.
حيث عقد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مع رئيس الصين جلسة مباحثات رسمية، جرى خلالها استعراض أوجه الشراكة بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية، والجهود التنسيقية المشتركة لتعزيز التعاون بين البلدين في مختلف المجالات بما يتلاءم مع رؤيتهما، وبحث فرص استثمار الموارد المتاحة في كلا البلدين بما يحقق المصالح المشتركة، إلى جانب بحث المستجدات الإقليمية والدولية والقضايا ذات الاهتمام المشترك والجهود المبذولة بشأنها.
وفي ضوء هذه الشراكة الاستراتيجية لأجل رُقي وتطور ونمو البلدين وتحقيق تحولهما الاقتصادي، سيتم تسليط الضوء على استراتيجية الصين الناجحة والمتفوقة التي انتهجتها لتحقيق التقدم الاقتصادي المنشود.
إن المجتمع الصيني مجتمع فلاحي، مجتمع منسجم مع الطبيعة، فالإنسان في هذا المجتمع يخضع للطبيعة والنظام الاجتماعي، يخضع لشروط متوازنة من جيل لآخر، فالانسجام والنظام والتوازن في المجتمع الصيني ثقافة، فهو مجتمع لا يؤمن بالمغامرة والقطيعة على العكس من المجتمع الغربي، فالاستمرارية الثابتة والتوازن أساس تقدم وتطور المجتمع.
إن طبيعة الاستراتيجية الصينية تكمن في الطابع الاجتماعي والسياسي والثقافي للمجتمع الصيني، فهو مجتمع منظم يعمل بدقة متناهية تشكلت من خلال تفاعله مع الطبيعة ومن خلال تشابك وترابط العلاقات الاجتماعية، مجتمع جماعي استطاع أن يطور حضارة تحتل فيها “العلاقة” المكانة الأولى والأساسية، مجتمع يعرف كيف يستفيد بذكاء من الظروف، ويستثمر كل فرصة متاحة.
يميل الصينيون دائماً إلى الإقناع والأمثلة بدل استخدام القوة أو الضغط، ويفضلون الدبلوماسية على الحرب، والتربية على العقاب، والتوافقات على الصراعات.
فالمجتمع الصيني يكتفي بأنظمته ويستغنِ عن أنظمة الآخرين، فهو مجتمع ابتكاري حيث ابتكر (البوصلة، البارود، الآلة الطابعة، …) لاستخداماتها الداخلية، كذلك مجتمع غير مغامر، حيث يتضح تاريخياً أن الصين لم تهتم لغزو العالم مع أنها تمتلك وسائل الغزو في الكثير من فترات تاريخها.
أطلق الرئيس الصيني دينغ كساو بينغ في عام 1979م رؤية الصين (2030) خلال 50 سنة من أجل سياسة الإصلاح والانفتاح ثم التقدم والتطور، وكان هدفها أن تستعيد الصين المكانة التي كانت تحتلها عالمياً سنة 1820م حيث كانت في هذا التاريخ تشكل 20% من سكان العالم وتنتج 20% من خيرات العالم.
حيث كان عامل النجاح الأساس الذي تم الارتكاز عليه في الاستراتيجية هو العبقرية الصينية في التجارة حيث إن الإنسان الصيني رجل تجارة بامتياز، والصين بلد تجاري تاريخياً، وكان الهدف الاستراتيجي هو الانتقال بالصين من بلد متخلف ثم الصعود ثم إلى القوة العظمى في عام (2030).
وتتكون المصالح الأساسية والدائمة للصين في ثلاث مصالح أساسية، وهي:
• الأمن: يقصد بها الحفاظ على أمن النظام السياسي والأمن القومي للصين.
• السيادة: أي حماية السيادة الوطنية وسلامة الأراضي والوحدة الإقليمية للأراضي الصينية.
• التنمية: الحفاظ على الظروف الدولية المواتية لتحقيق الصين تنمية اقتصادية مستدامة.
وتتمثل المتطلبات الأساسية لنجاح الصين في تنفيذ استراتيجيتها الكبرى: “التجديد الوطني” في الإدارة الذكية للنظام السياسي والحفاظ على الاستقرار الاجتماعي، وتتمثل أهدافها الرئيسية في الارتقاء بالصين لتصبح دولة تتمتع بحكم جيد، واستقرار اجتماعي، وازدهار اقتصادي، وتقدم تقني، وقوة عسكرية.
ولتحقيق الاستراتيجية الصينية أتت الخطة التنفيذية في مراحل:
المرحلة الأولى: استقطاب رؤوس أموال صينية وأجنبية إلى مناطق حرة تمت إقامتها على الواجهة الساحلية للصين لبناء مصانع وتصدير منتجات استهلاكية عادية بثمن منخفض جداً وباستخدام أيدي عاملة متوفرة ومعتادة على العمل بجد ومؤهلة ورخيصة.
المرحلة الثانية: استخدام المال الذي تم اكتسابه من المرحلة الأولى لتجهيز البنية التحتية للبلد لتكون قوية ومتماسكة وتسهم في تطوير السوق الداخلي.
المرحلة الثالثة: هذه المرحلة تعيشها الصين اليوم بصفتها تملك أول احتياط عالمي من العملة الصعبة أكثر من 3000 مليار دولار، حيث استخدمت الشيكات للتسوق في الأسواق العالمية في شراء شركات ومواد أولية وتكوين زبائن سياسيين.
ويمكن التنبؤ بسهولة بالمراحل المقبلة للاستراتيجية الصينية؛ لأن منطق التطور التاريخي للأحداث يوضح اتجاهها، فنحن أمام استراتيجية ذكية غايتها تطوير الصين ليصبح بلداً لديه اغتناءً داخلياً يغذي التوسع الاقتصادي الخارجي والعكس.
نحن أمام دولة استراتيجية بامتياز، دولة استطاعت بذكاء استراتيجي أن تحول بلداً متخلفاً إلى قوة عظمى، وذلك بركوب قطار الآخرين (العولمة) وهو يمشي واختيار الوقت المناسب للركوب، إن النظام الصيني نظام مبني على مصاحبة التطورات الطبيعية بكثير من الحكمة.
- أستاذ القيادة والتخطيط الاستراتيجي
تم نشر هذه المقالة الاستراتيجية الصينية للمرة الأولي علي صحيفة الوئام الالكترونية.