[ad_1]
مجلس نيوز | majlis-news
في تلك الليلة الباردة بمحافظة السويس في الشمال الشرقي من مصر، كان المهندس فرديناند دي لسبس، واقفاً على ساحل القناة الاصطناعية الجديدة يشاهد بفخر ما حققه الإنسان المصري بحفر قناة السويس. وأخذ يتذكر السنوات التي قضاها يحاول جاهداً إقناع حاكم مصر في فترة سابقة وهو (عباس باشا) بمشروع حفر وتشغيل قناة تمر بمحافظة (السويس) لتربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر وبالتالي تختصر ما يزيد عن ١٥ يوماً للبواخر بين أمريكا وأوروبا من ناحية وأفريقيا والشرق الأوسط وآسيا من ناحية اخرى.
وهذا جعل من القناة الوليدة (شريان) للاقتصاد العالمي، ولكن نظراً لكون العقد المطروح (امتياز طويل الأجل) بنظام يشبه BOT وهو بناء ثم تشغيل لمدة (٩٩ عام) ثم نقل ملكية إلى الدولة، لذلك لم يقتنع بالمبدأ سوى (سعيد باشا) الذي كان من خريجي جيل البعثات من العاصمة الفرنسية باريس، فقد كان سعيد منفتحاً على النظام الاقتصادي الرأسمالي والاقراض وأنظمة التشغيل والاستثمار الجديدة مثل BOT وغيرها.
كانت وقفة المهندس فرديناند في ذلك الوقت بمنتصف القرن التاسع عشر، حيث كان التدشين والافتتاح العظيم لهذه القناة. وهو المشروع الذي استمر يدر على الشركة الفرنسية أرباحاً طائلة، وتمنح الحكومة المصرية نسبة تقدر بحوالي ١٥٪ فقط! من الارباح، ولكن المصريين وضعوا شرطاً ذكياً بأن يكون ٨٥٪ من فريق العمل من حاملي الجنسية المصرية، وهذا يشبه كثيراً نظام (السعودة) الذي نطبقه في بلادنا بالسنوات الأخيرة.
نتذكر تأسيس القناة والشركة العالمية لقناة السويس والتي تم تأميمها لصالح المصريين عام ١٩٥٦ م بعد ١٠٠ عام تقريباً من استلامها من قبل المقاول الفرنسي عام ١٨٥٥ م وعلى إثرها جاء العدوان الثلاثي على مصر ١٩٥٦م. نتذكرها في هذا المقال نظراً لما تعرضت له القناة في هذه الأيام من عام ٢٠٢١ م لحادث غير تقليدي حيث (جنحت) سفينة شحن ضخمة واقفلت ممر القناة! وأدى ذلك حتى الآن إلى توقف ١٥٠ سفينة شحن تقدر حمولتها بحوالي ٢٩ مليار دولار. إضافة إلى خسائر تقدر بحوالي ٤٠٠ مليون دولار لكل ساعة وفقاً لبلومبرغ.
الدروس المستفادة من سرد هذا التاريخ الاقتصادي، لكل مسؤول ومستثمر في مشاريع بلادنا الاستراتيجية، يكمن في محاور عديدة، أولها التوطين، فالأقربون اولى بالمعروف ويستحق أبناؤنا الثقة الكاملة وتظهر اثار ذلك ديموغرافياً على المدى المتوسط والبعيد كما حدث في ارامكو سابقاً. والمحور الثاني يكمن بإستقطاب الخبراء الأجانب أصحاب الابتكار والإبداع النادر الوجود كما كان (فرديناند) الذي ابتكر ونفذ حفر قناة السويس وقناة بنما والتي تسهل حركة الملاحة بين القارات في كوكب الأرض من ١٧٠ عاماً إلى يومنا هذا، ويجب أن نمنح امثال هؤلاء المجال لنثر ابداعهم، وذلك حتى لا نصرف الغالي والنفيس للتعلم وإعادة اختراع العجلة كما يقول المثل. والمحور الثالث بأن نسعى لإستثمار أموال ومقدرات البلاد في الداخل، والحرص على عدم دخول استثمارات اجنبية غير صحية وبإرتباطات طويلة. وأخيراً أرى أن مشروعاتنا الوطنية مثل (نيوم) و (آمالا) و (القدية) هي الهدف والأمل القادم، وأتمنى أن نرى فيها بشكل كبير تحقيق هذه المحاور حتى تنال الاستدامة لأجيال وأجيال قادمة.
[ad_2]
Source link