[ad_1]
مجلس نيوز | majlis-news
أعرف شخصا حاز مالا وفيرا أيام الطفرة الأولى، وملك بيتا فخما في العليا، وهو الحي الجاذب في ذلك الوقت، وسيارات فارهة، لكنه اغتر بماله، ولم يتصرف به بالشكل المناسب، وأصبح يبعثره يمنة، ويسرة على سفريات، ونشاطات ترفيهية قادته إلى بيع سياراته، وبيته ليصل إلى مرحلة الديون، والفقر، وأصبح بحاجة إلى الصدقة بعد الغنى والعز.
كلما أتذكر ذلك الشخص ألح علي سؤال بشأنه كفرد، وغيره من الناس الذين بلغوا ما بلغوه من الثراء، إما بجهدهم، أو بورث وصل إليهم بجهد الآباء، والأجداد الذين قضوا أعمارهم في الكد، والتعب لتصل إلى أبناء، وأحفاد لا يقدرون الجهد، والنصب الذي بذل لتكوين هذه الثروات، هكذا غياب الحكمة يفعل بالأفراد والمجتمعات، وحضورها يترتب عليه الخير والطمأنينة والسعادة.
هذه الظاهرة ليست حكرا على مجتمع دون آخر، بل ظاهرة عالمية، وأتذكر في هذا الصدد حوارا تم بيني، وبين عربي أصله من اليمن في أحد أسواق ماليزيا، وتطرق النقاش إلى العرب في إندونيسيا، وبالأخص من اليمن المهاجرين القدامى الذين بسلوكهم تملكوا كثيرا، وكانوا بتعاملهم صورة حية عن الإسلام بسماحته، ورقيه ما جعل الشعب الإندونيسي يعتنق الإسلام لتكون إندونيسيا أكبر بلد إسلامي من حيث عدد السكان، ومربط الفرس في هذا المثال ما ذكره لي من أن ثروات اليمنيين وصلت بعد وفاة الآباء المؤسسين إلى جيل لم يبذل من الجهد شيئا ليفرط بها، وتشتريها الجالية الصينية، خاصة الأراضي التي تشكل وسط مدينة جاكرتا.
في محاولة لفهم الأسس النفسية، والعقلية لأسباب تفريط الأبناء بما بناه الآباء بعرقهم، وجهدهم المتواصل يتمثل السبب الأول في أنه كقاعدة عامة في تكوين الإنسان أن من لم يبذل الجهد في الاقتناء، وتكوين الثروة يعيش حالة استرخاء مع شيء من اللامبالاة، وعدم الحرص، وربما افتقاد الحس التجاري، والخبرة التي تؤهله لحسن إدارة المال، إلا أن الحكمة، وحسن التدبير قولا، وعملا تمثل أقوى، وأهم الصفات، والخصائص، إذ الحكمة تظهر في قول الفرد حين يضع الكلام في موقعه الصحيح، وفي وقته الصحيح مهما كان وضعه الاجتماعي، كما تظهر الحكمة في سلوك الفرد، وتعامله مع الآخرين، سواء كتعامل عام، أو تعامل رسمي، كالمدير حين يتعامل مع المراجعين، أو حين تعامله مع مرؤوسيه، وهذا ينطبق على الحكومات، خاصة على مستوى العلاقات الدولية.
الحكمة في رأيي يلازمها الحلم لأن الحلم يمكن العقل من التفكير المليء، والعميق في المفردات حين الحديث، وفي الفكرة حين الرد، وفي الأسلوب المناسب لمعالجة المشكلات التي تواجه الفرد، ولعل مقولة سقراط الشهيرة تكلم لأراك تكشف أهمية حسن، وجودة المنطق أساسا للحكم على مدى عقلانية المتحدث، ونضجه، وكذا حسن تصرفه في المواقف، والظروف التي يمر بها الفرد، ولا غرابة في إطلاق العرب كلمة حكيم على الأطباء، سواء في العصور السابقة، أو في الوقت الراهن، وذلك لما يتوقع فيهم من دراية، ومهارة، وقدرة على اكتشاف الداء، وتحديد الدواء.
عبر العصور، وفي كل المجتمعات برز حكماء من عامة الناس، أو من القيادات السياسية، خاصة في الظروف، وأزمنة التوترات، والأزمات الاقتصادية، والأمنية، والسياسية، ذلك أن رأيا حكيما قد يجنب الفرد، أو المجتمع مآسي صعبة، فقرار غير حكيم من رئيس شركة قد يترتب عليه إفلاسها، أو قد يحدث اضطراب أمني فيما لو لم تتم معالجة أمر طارئ بشكل ناضج، وحكيم. لذا نجد أن رأيا، أو قرارا حكيما جنب كثيرا من المآسي، ويذكر الفضل في ذلك لصاحبه حيث يكون جزءا من سيرته التي تتناقلها الأجيال في المجالس، والكتب، والأشعار، بل في دراسات السير، خاصة لذوي النفوذ، والتأثير.
من حكماء العرب البارزين أكثم بن صيفي التميمي إذ تعد خطبته أمام كسرى الذي كان لا يقيم وزنا للعرب، ويقلل من شأنهم في كل المناسبات مثالا بارزا على النضج، والحكمة، وفيما يلي مقتطفات منها:
إن أفضل الأشياء أعاليها .. وخير الأزمنة أخصبها، وأفضل الخطباء أصدقها، الصدق منجاة، والكذب مهواة، والشر لجاجة، والحزم مركب صعب، والعجز مركب وطي، آفة الرأي الهوى، والعجز مفتاح الفقر، وخير الأمور الصبر، حسن الظن ورطة، وسوء الظن عصمة، خير الأعوان من لم يراء بالنصيحة، حتى قال كسرى بعد سماع هذه الخطبة: “لو لم يكن للعرب إلا أنت لكفى”، ولعل قول الباري جل وعلا: ”يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا” خير ما نختم به المقال.
[ad_2]
Source link