[ad_1]
مجلس نيوز | majlis-news
قليل من القهوة كثير من الثقافة، بهذه العبارة الموجزة يمكن أن نقرأ ملامح المقاهي في المملكة خلال الفترة القليلة المقبلة، فبعد أن انطلقت مجموعة من “بيوت القهوة” نحو هذا الهدف الثقافي بجهود ذاتية منفردة، باستضافتها فعاليات أدبية، وتخصيص أركان معرفية تضم كتبا في شتى الحقول، أسست وزارة الثقافة والهيئة المنبثقة “هيئة الأدب والنشر والترجمة” برنامجا للشراكة الأدبية مع المقاهي، لحثها على تقديم المعرفة مع “السمراء” التي أحبها ملايين.
لا قيمة للمقهى إن لم يحدث فرقا في عقول الناس، وهذا ما تسعى تماما إلى تحقيقه هيئة الأدب، في برنامجها “الشريك الأدبي”، استنادا إلى تاريخ القهوة التي تغذي الروح والجسد، ورافقت الأدباء وكبار الفلاسفة والمفكرين والفنانين وحتى البسطاء، مثل “الحكواتي”، راوي القصص البارع، الذي اشتهر برواية الحكايات والسير الشعبية في مقهى الحي، فتحتشد الجموع حوله.
مقاه تاريخية
ثمة عدد من المقاهي التي لا تزال عالقة في تلابيب الذاكرة، وكان الأدب يعيش فيها، في فترات زمنية، كانت تعج بالمناظرات والنقاشات، وتتلاقى فيها الأفكار، وتولد القصائد والمقالات والأغاني والكتب، ومن هذه المقاهي “الطاحونة”، الذي بدأ فيه جابريل جارسيا ماركيز حياته الأدبية. تمر الأيام والأعوام، ومن المقاهي أيضا تظهر روائع الفيلسوف والروائي الفرنسي جان بول سارتر، واتضح أنه ألف كتبه عن الوجودية على طاولة صغيرة في مقهى باريسي، فكان الإلهام يأتيه على طاولة متواضعة.
ومن مصادفات التاريخ أن مقهى “الفيشاوي” ذائع الصيت في مصر، الذي أسس قبل نحو 250 عاما، كان من رواده جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وعباس محمود العقاد وإحسان عبدالقدوس ويوسف السباعي ويوسف إدريس، ونخبة الأدباء المصريين والعرب، وحتى سارتر، ومن الفنانين عبدالحليم حافظ ومحمد فوزي وليلى مراد، بل وكان يجتمع فيه علماء الأزهر عقب صلاة الجمعة لمناقشة أمور الدين. ولأهمية المقهى الأدبية، زاره الرئيسان جمال عبدالناصر والسادات، والرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، والرئيس اليمني علي عبدالله صالح.
ما يميز المقهى ويكسبه صبغة ثقافية فريدة، أنه كان مأوى الفنانين التشكيليين العالميين الذين كانوا يرسمون فيه لوحاتهم المستوحاة من حي الحسين وخان الخليلي، وقس على ذلك مجموعة أخرى من المقاهي في القاهرة، دمشق، بيروت وبغداد، التي اشتهرت بدورها الثقافي في تنوير المجتمعات وولادة الأدب والفن.
أديب نوبل
من المثير ذكره أن كبار أدباء الوطن العربي لهم قصص ومواقف مع المقاهي، لا يمكن أن نذكرها دون أن نبدأ بقصة نجيب محفوظ، الأديب المصري الحائز جائزة نوبل، عاشق المقاهي الشعبية، وكان يلتقي المثقفين فيها يوميا، ومنها مقهى “ريش” القريب من ميدان طلعت حرب، وأصبح يطلق عليه المثقفون مجازا “قهوة نجيب محفوظ”، وكانت تعقد فيه لأعوام طويلة ندوة عصر كل يوم جمعة، وأوفى له المقهى بتعليق صورة كبيرة له في الركن الذي كان يفضل الجلوس فيه.
وانتقل أديب نوبل لاحقا إلى مقهى يدعى “علي بابا”، وكان يفضل الجلوس فيه صباحا، ويذكر رجاء النقاش في كتابه “صفحات من مذكرات نجيب محفوظ” أنه التقى الأديب الراحل هناك، وسجل معه أكثر من 50 ساعة كاملة لكتابة مذكراته، كانا يلتقيان في الصباح الباكر، الساعة الثامنة، لمدة ثلاث ساعات، بمعدل أربع مرات أسبوعيا، وبحسب ما اطلعت عليه “الاقتصادية” في مقدمة الكتاب، فإن محفوظ تعوّد في الثمانينيات وأوائل التسعينيات أن يجلس في ركن من أركان هذا المقهى، ويطلب فنجانا واحدا من القهوة، وقد اعتاد أن يشرب كمية قليلة جدا من هذا الفنجان، ثم يترك معظم الفنجان كما هو، ويقضي وقته الباقي في حالة من الصمت والتأمل، كما كان يجري مقابلاته التلفزيونية والصحافية في المقهى، وحينما كان بعض رواد المقهى يطلبون الحديث معه والسلام عليه، كان يستأذنه النادل أولا، ولم يحدث أن رد محفوظ أحدا.
الأغرب من هذا، أن مقهى “ريش” السالف الذكر، توالى على زيارته أدباء من طراز صلاح جاهين، يوسف إدريس، عبدالرحمن الأبنودي، ثروت أباظة ونجيب سرور، وشهد تعارف أدباء وكتاب وصحافيين، تكللت بعض هذه القصص بالزواج، مثل تعارف ثم زواج الشاعر أمل دنقل والصحافية عبلة الرويني، التي ذكرت القصة في كتابها “الجنوبي”، وزواج الشاعر أحمد فؤاد نجم بالكاتبة صافيناز كاظم، والفنان محمد عبدالقدوس والفنانة والصحافية فاطمة اليوسف، الشهيرة باسم روز اليوسف.
من المقهى ذاته، انطلقت ثورة الأدباء، وسجلوا موقفا تجاه اغتيال الروائي الفلسطيني غسان كنفاني، وفيه كان مولد مجلة “الكاتب المصري” التي رأس تحريرها طه حسين، ومن رواده أيضا الرؤساء جمال عبدالناصر، السادات، وصدام حسين.
الحكواتي
يورد كتاب “من التاريخ الثقافي للقهوة والمقاهي” لمؤلفه محمد الأرناؤوط، جانبا من أهمية المقهى أو بيوت القهوة ودورها الثقافي، التي تحولت إلى مراكز ثقافية واجتماعية تجذب الفقهاء والشعراء، وهواة الغناء والموسيقى والمسرح، ففي القدس، كانت المقاهي تجذب هواة النغم، والمغنين، كانوا يضربون على الآلات الموسيقية فتحلو الجلسات.
وفي توثيقه مسيرة “الحكواتي”، فإن مقاهي دمشق الشعبية أخذت تتميز بوجود “الحكواتي” و”الأراجوز”، والأول كان يشوّق رواد المقهى بالسير الشعبية البطولية، مثل عنترة وأبي زيد الهلالي والملك الظاهر والسيرة النبوية، ويتوقف عند الأحداث المشوقة ليكمل سردها في اليوم التالي، كما كان ينقل الغرائب واللطائف والنوادر.
ظهر “الحكواتي” للمرة الأولى قبل نحو 400 عام، وكان في بعض الأحيان يرتدي ملابس تراثية، ولا سيما في دمشق ومقاهيها، التي شبهها إبراهيم الخياري المدني في كتابه “تحفة الأدباء وسلوة الغرباء” بأنها تشد إليها الظرفاء واللطفاء من الناس.
شراكة عملية
يتيح برنامج “الشريك الأدبي”، الذي أطلقته هيئة الأدب، عقد شراكات عملية فاعلة بين الهيئة والمقاهي ذات التوجه الثقافي، تتضمن تقديم الهيئة الدعم اللازم للمقاهي من أجل تنظيم فعاليات أدبية مفتوحة في مقارها أمام عموم أفراد المجتمع، بهدف تعزيز الحراك الأدبي في المجتمع وإثراء حياة الأفراد بفعاليات وأنشطة أدبية مستدامة.
وتأمل الهيئة من خلال برنامجها الجديد أن تصبح المقاهي منصات حاضنة للنشاط الأدبي المحلي، وداعمة لانتشار الكتاب، وبما يجعل من زيارتها تجربة ثقافية متكاملة، بحزمة متنوعة من الفعاليات تشمل، توقيع الكتب، وجلسات مناقشة الكتب، وتنظيم الاحتفالات بالأيام العالمية ذات العلاقة، وأمسيات شعرية، ومناظرات أدبية، وأركان لأدب الطفل، واستضافة نوادي القراءة، إلى جانب توفير كتب المؤلفين السعوديين في أرفف المقاهي، مع توفير خيارات إعارة وتبادل الكتب.
وخصصت الهيئة منصة إلكترونية لاستقبال طلبات المقاهي الراغبة في دخول البرنامج، من خلال مراحل عدة، تنتهي باختيار أفضل خمسة مقاه متقدمة وفق معايير مرتبطة بإمكانات المقهى ومستوى إدارته وتنظيمه، يعلن عنها في 8 أبريل المقبل.
خدمة المؤلف
يخدم برنامج “الشريك الأدبي” المؤلفين والكتاب، إذ يجعل عملية التقاء الجمهور أسهل من أي وقت مضى، فيما سيتاح للمقهى مواكبة النشاط الأدبي وابتكار الأنشطة والفعاليات الجاذبة للجمهور، وتوفر الهيئة بدورها دعما لوجستيا له، من خلال التنسيق مع الكتاب السعوديين والدوليين، واستخراج الرخص اللازمة، وتقديم الاستشارات للمقاهي حول تصميم الفعاليات الأدبية، فضلا عن الدعم التسويقي لتلك الفعاليات.
وفي إطار تشجيع المقاهي على خوض غمار التجربة، تمنح الهيئة جائزة مالية لأفضل شريك أدبي في العام تبلغ مائة ألف ريال، خصصتها للمقهى الأكثر فاعلية في إثراء الحراك الأدبي المحلي بفعاليات وأنشطة تحقق أهداف البرنامج، وفق محددات تتعلق بعدد المساهمات الأدبية التي قدمها المقهى في العام، ومستوى التفاعل مع الجمهور الأدبي، ومستوى الانتشار، والقدرة الإبداعية والتسويقية على جذب الجمهور، إضافة إلى أصالة الارتباط بالثقافة السعودية، وخدمة الأديب المحلي.
[ad_2]
Source link