▪︎ مجلس نيوز
تعد غاية الوصول الى الاستقرار المالي لضمان نمط حياة مستدام أحد أبرز تطلعات مجتمع اليوم، ويكون ذلك من خلال موازنة منطقية ما بين مصادر الدخل واوجه صرفها المتعددة، بحيث ينبغي أن ترجح الكفة الأولى على الثانية لتحقيق فائض مالي مستدام، وعلى الرغم من بساطة هذه المعادلة في الوهلة الأولى، الا أن تطبيقها قد يشوبه عدد من الصعوبات، تتراوح ما بين التضخم الاقتصادي، سوء الادارة المالية، تباين أولويات الافراد، صعوبة تحديد الأهداف المالية على المدى البعيد، ولا شك بأن هذه الصعوبات تزيد في حدتها مع مرور الوقت وتراكم مسؤوليات الفرد
وهنا يأتي دور الاستثمار في تخفيف هذا العبء على المدى الطويل، وذلك من خلال ضخ أموال تتصف بالركود في الأدوات المالية المتنوعة، –التي سيتم مناقشتها تاليًا– وغالبًا ما تكون الأهداف الاستثمارية محصورةً في شقين؛ اما هدف النمو في قيمة الأصل بمرور الوقت، او هدف توفير الأصل لدخل مستمر، او تحقيق الميزتين معًا
وعودة الى سؤال المقال الرئيسي، ماهي جدوى الاستثمار في تحقيق الاستدامة المالية؟
أستطيع الاجابة على هذا السؤال من خلال طرح استفسار أكثر عمقًا وهو، ماهي غايات الاستثمار لدى الفرد؟
ينبغي على الأفراد تحديد أولوياتهم الاستثمارية، وأهدافهم طويلة المدى، ومدى قدرتهم على اقتطاع جزء من الدخل، كما وقدرتهم على تحمل المخاطر قبل الدخول لأي استثمار وضخ أموالهم بطرق غير مدروسة قد تعتمد على توصيات مجهولة المصادر!
وينبغي على المستثمر الفرد معرفة عدد من المفاهيم الاقتصادية والمالية قبل الولوج للاستثمار، وذلك محافظةً على رأس ماله من التآكل بسبب التهور وقلة المعرفة، منها:
العائد والمخاطرة والعلاقة الطردية ما بينهما
التنويع في الاصول الاستثمارية في المحفظة الواحدة؛ استنادا للوصية الشهيرة “لا تضع البيض في سلة واحدة“.
التنويع في الاستثمارات ذاتها، بحيث ينبغي ألا تتركز في نوع واحد من الأصول “كالعقارات مثلًا” وتتجاهل بقية الأصول الأخرى، كالصكوك والأسهم والسندات والصناديق المتداولة وصناديق المؤشرات …، والهدف هنا هو تحقيق “ميزة التنويع” التي توفر بدورها تخفيفًا من أخطار السوق المنتظمة – دورات الاقتصاد، التصحيح الفتري، تقلب اسعار العملات، الأزمات السياسية، … – على الأصل الواحد من خلال تشتيت الخطر على مجموعة متنوعة من الأصول، مما يزيد كفاءة الاستثمار على المدى الطويل ويمنح المحفظة المتنوعة القدرة على التعويض في أصول أخرى
اضافة الى العائد المركب او العائد التراكمي والذي سماه اينشتاين بالأعجوبة الثامنة، حيث تتعاظم الأرباح بسبب اعادة استثمارها بمرور الوقت على مدى فترات طويلة نسبيًا
تأثير التضخم على الاقتصاد، ومدى قدرة الاستثمار على مواجهة التضخم وتعويض تأثيره على المدخرات
وعليه فقد تم استحداث عدد من المنتجات الاستثمارية المتنوعة عبر الزمن؛ لمواكبة متغيرات السوق، وضمان تحقيق الأرباح للمتعاملين فيه، وتتنوع المنتجات الاستثمارية في السوق المحلي والعالمي، ما بين:
- صناديق الاستثمار المفتوحة: والتي تمتلك القدرة على زيادة او الغاء عدد الوحدات المصدرة لتلبية الطلب من المستثمرين، بحيث يمتلك كل مستثمر محفظة تتناسب مع حصته من أصول الصندوق ككل، تعرف بصافي قيمة الأصول NAV على الوحدة الواحدة من الصندوق، تصنف بدورها الى ثلاث فئات رئيسية:
- صناديق أسواق النقد Money Market
- صناديق السندات وتعرف بالدخل الثابت Fixed income
- صناديق الأسهم وتسمى بصناديق حقوق الملكية Equity
- صندوق الصناديق: يتكون هذا الصندوق من محفظة من صناديق الاستثمار المشترك سواءً المؤسساتية او المتاحة للأفراد، بحيث تضمن للمستثمر التنوع الأقصى في المحفظة الاستثمارية
- شركات الاستثمار المغلقة: هي طرح عدد معين من الاسهم للاكتتاب العام يتم عليها تثبيت رأس مال الصندوق بحيث لا يمكن بعده توسع او تقليص حجم الصندوق
- صناديق المؤشرات المتداولة ETFs: هي صناديق مفتوحة يتم ادراجها وتداولها في السوق تتبع مؤشر معين لمتابعة وقياس اداء مدير الصندوق، ومن أبرز المؤشرات، مؤشر السايبور، مؤشر MCSI، مؤشر FTSE100، الخ، وتتميز هذه الصناديق بالشفافية، والتسعير الفوري، وتتحرك هذه الصناديق وفق اسلوب المحاكاة المتبع من قبل مدير الصندوق، مثل المحاكاة الكاملة للمؤشر، المحاكاة باستخدام العينات، تحقيق الحد الأمثل، المحاكاة التركيبية
- صناديق السلع الأساسية: من ضمن السلع التي يتم الاستثمار فيها: الذهب، المعادن، القمح وغيرها، ويتم هذا النوع من الاستثمار عن طريق شراء وحدات في الشركات المدرجة في قطاعات التعدين او المواد الأساسية
- صناديق التحوط: وتصنف كاستثمارات عالية المخاطر ذلك كونها مصممة لاجتناب أخطار السوق المتوقعة، وتعد هذا الصناديق حكرًا على اصحاب الثروات المرتفعة نظرًا لارتفع حدود الاشتراك الدنيا
- صناديق الملكية الخاصة Privet Equity: تعد هذه الصناديق حصصًا تمويلية في أسهم الشركات التي يتوقع غالبًا ان تنمو نموًا كبيرًا، كما تتصف بالمخاطرة العالية
- صناديق الريت REITs: وهي أداة مستحدثة مدرجة في الأسواق المالية تمكن من الاستثمار بالعقار من خلال وحدات الصندوق، وتتميز هذه الصناديق بنسبة توزيعات ٩٠٪ من صافي الدخل السنوي على الجمهور كحد أدنى.
ولكن كل هذه المصطلحات قد تتصف بالتعقيد، مما يجعل عملية الاستثمار تتصف بالغموض للحديثي العهد بالمجال، ولذلك وجدت شركات إدارة المحافظ للعملاء، والتي تمكن بدورها تخفيف عبء الاستثمار عن المستثمر مقابل رسوم تعامل وإدارة وحفظ وتعامل، تختلف من شركة الى أخرى
ولصغار المستثمرين، نلحظ اهتمام البنك المركزي السعودي بإصدار رخصة المستشار الآلي، والتي تقدم تجربة مغايرة عن الاستثمار التقليدي، وتقوم بتقييم العميل وأهدافه الاستثمارية، اضافةً الى قدرته على تحمل المخاطر، وبناء عليه يتم تحديد المحفظة الملائمة للعميل، وتتميز هذه الخدمة بالرسوم المنخفضة، نظرًا لدور الأتمتة في تسهيل العملية
ومع كل هذه الحلول وجدواها الفعلية في تحقيق الأرباح المستدامة، إلا أنها لن تتحقق مالم يتبع الفرد ثقافة الانفاق الاقتصادي، والتخطيط المالي طويل المدى، واجتزاء جزء من الدخل لادخاره والعمل على استثماره لحمياته من التآكل بمرور الزمن
فكما يقول “عراب أوهاما” وارن بافت “هنالك أشخاص يتمتعون بالظل لأن أحدهم زرع شجرة”