▪︎ مجلس نيوز
يقول المؤرخ الأسكتلندي الأصل الأمريكي الجنسية نيل فيرجسون «إن ما يجعل من الصعب التنبؤ بالتاريخ – وسبب عدم وجود دورة تاريخ محكمة تمكننا من التنبؤ بالمستقبل – هو أن معظم الكوارث تأتي من مصدر ليس محل اهتمام أحد».
وفي مقال رأي نشرته وكالة بلومبيرج للأنباء، يؤكد فيرجسون، الذي عمل أستاذا للتاريخ في الجامعات البريطانية والأمريكية، وألف نحو ستة عشر كتابا، أنه بطبيعة الحال ليس كل شئ في التاريخ عشوائيا.
فلم يكن من الصعب التنبؤ بالغزو الروسي لأوكرانيا في بداية هذا العام، إذ لم يكن على المرء سوى أن يأخذ تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مأخذ الجد وبصورة حرفية عندما أكد أن الشعبين الروسي والأوكراني شعب واحد، وأن إمكانية أن تصبح أوكرانيا عضوا في حلف شمال الأطلسي (الناتو) أو الاتحاد الأوروبي خط أحمر؛ وأنه كان يتعين أن يدرك المرء أن التهديدات الغربية بفرض عقوبات اقتصادية لن تردع بوتين.
ويقول فيرجسون «إنه مع دخول الحرب في أوكرانيا أسبوعها الثاني، هناك حاجة للتطرق لتكهنات أكثر صعوبة». ويبدو أن هناك عددا من العمليات التاريخية البارزة التي يشهدها الموقف وليس من الواضح أيهما أسرع من الأخرى.
01 هل ينجح الروس في السيطرة على كييف في غضون أسبوعين، أو ثلاثة، أو أربعة، أو لن يتمكنوا من ذلك على الإطلاق؟
يقول «إنه معجب برأي محلل عسكري قال إنه لم يبق أمام قوة الغزو الروسية سوى حوالي أسبوعين قبل أن ترغم المشكلات اللوجستية ومشكلات الإمداد بوتين جديا على الجلوس على طاولة التفاوض».
وقال فيرجسون «إنه يأمل أن يتحقق ذلك. فالحرب لم تصبح الحرب الخاطفة التي يبدو أن بوتين كان يتوقعها، فالأوكرانيون يتلقون الآن كميات كافية من العتاد، ويأتي الكثير منها عبر الحدود من بولندا.
كما تتلقى أوكرانيا مساعدات حيوية من القطاع الخاص مثل خدمات الاتصالات عبر شبكة ستارلينك التي تمكن المواطنين من مواصلة الاتصالات رغم الهجمات الروسية على أبراج التليفزيون.
ولا يمكن معرفة ما إذا كانت المعدات التي تحصل عليها أوكرانيا كافية لمواصلة المقاومة خلال الأسابيع المقبلة، خاصة وأن الأوكرانيين غير قادرين على مواجهة الهجمات الصاروخية والقصف من ارتفاعات كبيرة.
وأكد فيرجسون أن مصير أوكرانيا كدولة مستقلة سوف يتحدد خلال الأسابيع أو الأيام المقبلة».
02 هل العقوبات تعجل بحدوث تراجع اقتصادي شديد في روسيا يحول دون قدرة بوتين على الانتصار؟
أستبعد أن يكون لهذه العقوبات التأثير الذي تتوقعه الولايات المتحدة والغرب، فمن الصعب بوجه خاص شن حرب اقتصادية شاملة على دولة شاسعة المساحة وغنية بالموارد مثل روسيا.
كما أن الصين قادرة على مساعدة روسيا بطرق تخفف الصدمة الاقتصادية، مثلما ساعدت إيران طوال سنوات على تجاوز العقوبات الأمريكية بشراء النفط منها.
ولن يؤدي أي تراجع كبير في إجمالي الناتج المحلي إلى هزيمة دولة عسكريا طالما ما زالت طائراتها قادرة على التحليق ودباباتها قادرة على تصويب طلقات.
03 هل يمكن أن تعجل أزمة عسكرية مقرونة بأزمة اقتصادية في حدوث انقلاب قصر ضد بوتين؟
استبعد فيرجسون هذا الاحتمال في ضوء نظام الحكم الروسي القمعي وقدرته على إسكات معارضيه ومن بينهم المحتجون على غزو أوكرانيا.
كما أن بوتين يتمتع بسيطرة كاملة على أصحاب المراكز القوية في نظامه.
04 هل يؤدي خطر سقوط روسيا إلى لجوء بوتين لإجراءات يائسة «مثل تنفيذ تهديده النووي»؟
يقول «إن أخطر مظهر من مظاهر الحرب في أوكرانيا واضح، وهو أن روسيا دولة مسلحة نوويا على خلاف أوكرانيا التي تخلت عن أسلحتها النووية السوفيتية في مقابل ضمان أمني ثبت أنه بلا قيمة».
وأدرك بوتين من البداية أن نقطة قوته هي التهديد باستخدام الأسلحة النووية. وحتى قبل بدء الغزو، حذر قائلا «أي أحد سوف يتدخل بيننا.. يجب أن يعرف أن رد روسيا سيكون فوريا وسيؤدي إلى عواقب لم يرها مطلقا في تاريخه».
وبعد أن بدأت الحرب في أوكرانيا وضع بوتين قواته النووية على أهبة الاستعداد. ويقول فيرجسون إن بوتين بذلك لم يروع الناتو فقط لكنه حقق شيئا آخر أهم: وهو إقرار ضمني من إدارة بايدن بأنه ليس من الضروري أن ترد بأسلحة نووية إذا ما استخدمتها روسيا. ويرى فيرجسون أن أحد الدروس المهمة لكل أزمة الغزو الروسي هو أن دلائل الضعف الأمريكي شجعت بوتين.
05 هل يساعد الصينيون بوتين على الصمود لكن بشرط موافقته على سلام يتوسطون فيه؟
يقول «إنه ليس هناك شك في أن حرب بوتين لم تكن لتمضى قدما بدون ضوء أخضر من الرئيس الصيني شي جين بينج، الذي استطاع أن يقنع الروس بتأجيل غزوهم حتى تنتهي دورة الألعاب الشتوية في بكين. وأكد فيرجسون على ضرورة عدم التقليل من متانة العلاقات بين بوتين وشي، ومدى رغبة شي في أن يحقق بوتين انتصارا في ضوء طموحاته لاخضاع تايوان لسيطرة الصين».
06 هل هناك اهتمام متزايد في الغرب بالغزو الروسي؟
يرى فيرجسون أن هناك تعاطفا واسع النطاق مع أوكرانيا في جميع أنحاء العالم الديمقراطي الذي شهد اندلاع مظاهرات موالية للأوكرانيين. وفي الولايات المتحدة بدا اهتمام الأمريكيين ورد فعلهم بالنسبة لغزو أوكرانيا أكبر من أي وقت مضى ومن المرجح استمرار ذلك.
وكان للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي دور في ذلك فقد استغل التليفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي لكسب تعاطف العالم.
ويؤكد أن كل ما تقدم يوضح أهمية الأسابيع المقبلة. فهذه هي أكبر أزمة تشهدها الحرب الباردة الثانية، التي تعتبر في أوجه كثيرة صورة للحرب الباردة الأولى، حيث الصين هي الشريك الأكبر، وروسيا الشريك الأصغر، وحيث حرب ساخنة في أوروبا الشرقية بدلا من شرق آسيا.
ويضيف «لا أعرف كيف ستنتهي الأزمة ولكن أعرف أنه ستكون لها عواقب عميقة بالنسبة لمسار التنافس بين القوى العظمى، وسواء ساد التيار الروسي أو أخفق في الأسابيع المقبلة فإن هذا سوف يكون له تأثير كبير على تحديد مسار تاريخ العالم طوال باقي حياتنا».