▪︎ مجلس نيوز
ابتسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقال ذات مرة، مشيرا إلى وزير خارجيته سيرجي لافروف «أجد نفسي مضطرا إلى تذكيره من حين لآخر بأنه وزير الخارجية وليس وزير الدفاع».
لا يعرف الكثيرون أن الجنرال المتجهم لم يرتد البدلة العسكرية في حياته، وتعلم دروب السياسة على يد المصري بطرس غالي عندما كان أمينا عام للأمم المتحدة، ويقود الخارجية الروسية بمهارة لاعبي الشطرنج.
وصفه أحد الساسة بأنه «يحمل خنجرا دبلوماسيا»، رغم أنه رجل دافئ الأحاسيس، يكتب الشعر ولديه (كاريزما) مثيرة للدهشة والانتباه، صنعت شخصية روسيا القوية، وجعلته شخصا مثار اهتمام العالم، ونقطة التقاء عجيبة في صورة نادرة الحدوث.
المرة الوحيدة التي ضحك فيها لافروف بملء فمه، عندما سخر من وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، وهو يتحدث في أحد الاجتماعات عن العقوبات التي يمكن أن تتخذها بلده، بعدها عرف العالم أنه رجل لا يعرف المزح بل يعرف القتال.. المعارك فقط!
جنرال مدني
يسمونه (الجنرال) لكنه لم يرتد الذي العسكري في حياته، ولا ينتمي إلى المؤسسة العسكرية، فقد تخرج من قسم اللغات الشرقية في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، لكن التزامه القوي الشبيه بالعسكر دفع الرئيس الروسي بوتين لوصفه بوزير خارجية بقناع وزير دفاع، إذ يبكر في دخول مكتبه صباح كل يوم.
ووفقا لتقرير نشرته «إندبندنت عربية»، كانت بدايته في العمل الدبلوماسي في سريلانكا التي عاد منها إلى موسكو عام 1976 ليعمل في إدارة العلاقات الدولية لدى وزارة الخارجية، ويترقى في المناصب، إلى أن عينه الرئيس بوريس يلتسين عام 1994 مندوبا لروسيا الاتحادية في الأمم المتحدة، وهناك سنحت له الفرصة للتعرف على عدد من الدبلوماسيين الأجانب، وتماس مع أهم القضايا الدولية التي تشغل المجتمع الأممي.
أستاذه مصري
قضى لافروف 10 سنوات في البيت الزجاجي، على حد تعبير السكرتير العام الأسبق الدكتور بطرس غالي، الذي كان أستاذ وملهم لافروف، اكتسب خلال فترة عمله مع غالي قدرة كبيرة على فهم مساقات التطورات الدولية الجارية، وذلك قبل أن يستدعيه بوتين في 9 مارس 2004 ليتم تعيينه وزيرا للخارجية، وليعاد تعيينه مرة أخرى في 2012 في حكومة الرئيس ميدفيديف.
عده البعض مع التطورات الأخيرة في الأزمة الأوكرانية، سلاح بوتين للدبلوماسية الخشنة، لا سيما أنه قادر على التعبير عن موقف الكرملين بمزيج من الصلابة والسخرية، وتحويل الكلمات إلى صفعات، وتحول إلى وجه مألوف في الأسبوعين الأخيرين لكاميرات التلفزة الدولية، ولم ينتقص منه كونه أحد الـ11 مسؤولا روسيا، أولئك الذين وقعت عليهم واشنطن عقوبات مالية بدءا من الرئيس بوتين عينه وبقية معاونيه.
الرجل الأطول
يصنف لا فروف على أنه ثاني أطول وزير خارجية في روسيا بقاء في مقعده، بعد سلفه العتيد (السوفياتي) أندريه غروميكو، الرجل الذي تصدى وتحدى الغرب طويلا خلال زمن الحرب الباردة، وعلى الرغم من أنه يكاد يكون وجها غير محبوب وغير مرغوب في الغرب، فإنه يحصد في الداخل الروسي تشجيعا كبيرا، وتصفيقا حادا لمواقفه التي يدافع فيها عن بلاده باستماتة.
يعد أحد أهم مجموعة «سيلوفيكي»، ذات التأثير القوي التي يستعين بها بوتين دوما عند اتخاذه القرارات المهمة، بل أكثر من ذلك يعد البعض الدبلوماسي الروسي العتيد لافروف، الند والمكافئ الموضوعي لألكسندر بوتنيكوف، رئيس جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، والمثير للدهشة أنه لم يكن زميلا له في الدراسة أو العمل عندما اختاره لمنصب وزير الخارجية، مثل الكثيرين من أصحاب المناصب العليا المحيطين بالرئيس، لكن بوتين يحترمه كثيرا لاحترافيته، وعمله الجاد وعدم ارتكابه أخطاء خلال مسيرته المهنية الطويلة.
قدرات ذهنية
تؤكد «إندبندنت» أن الدبلوماسية الروسية استفادت بشكل لافت من قدرات لافروف الذهنية بحسمه الواضح وعزمه العتيد، لا سيما أن صوته العميق الذي أثر فيه قدر التبغ الذي يدخنه بشراهة يوميا، عطفا على وجهه الشبيه بالممثل الأمريكي من أصل مكسيكي، أنتوني كوين، أعطياه مقدرة على التأثير النفسي والعقلي في أصدقائه قبل خصومه، ولهذا وجدت روسيا في لافروف سيد الأوقات الصعبة، ورجل المهمات الجسام، والقادر على بلوغ أهداف موسكو في الوقت القيم، أي ذاك الذي تعظم فيه الاستفادة.
نجح منذ 2014 بنوع خاص في إبعاد شبح العزلة عن روسيا، خاصة بعد ضم شبه جزيرة القرم إليها، فقد تفوق على نفسه كما يقال في الأسفار والمفاوضات واللقاءات المتكررة، لا سيما مع وزير الخارجية الأمريكي وقتها جون كيري، الأمر الذي عد نجاحا ورصيدا مضافا لموسكو وخصما من واشنطن.
مثله الأعلى
ذات مرة أشار لافروف إلى أن وزير الخارجية الروسي، ومستشار الإمبراطورية في القرن الـ19 ألكسندر غورتشاكوف، هو مثاله، لا سيما أن غورتشاكوف هو الرجل الذي تمكن من استعادة النفوذ الروسي في أوروبا بعد الهزيمة في الحرب، وإن لم يفعل ذلك في ميادين الوغى، بل في ساحات الدبلوماسية.
ويؤكد التقرير أن لافروف يشابه سلفه، لا سيما أن دوره بعد انتهاء الحرب الباردة تمثل في تنفيذ سياسات بوتين الهادفة إلى جعل روسيا دولة عظمى على المستوى الدولي.
اعتاد على الانضباط والحضور مبكرا في مكتبه بإحدى ناطحات السحاب القليلة التي بناها ستالين قبل بضعة عقود، لتحدي العالم الغربي، وتحتوي على 27 طابقا و28 مصعدا، وبها 2000 مكتب، استخدمت لإدارة شؤون الاتحاد السوفياتي سابقا، وروسيا الاتحادية اليوم.
نظرات عسكرية
يتفقد لافروف بنظراته كل من حوله، وكأنه جنرال عسكري في طابور للجيش، وليس عميد الدبلوماسية، وفقا لوصف المعاونين له، ويتحدث آخرون على أنه لا يعير انتباها للمتبرمين خلال مؤتمراته الصحفية الطويلة.
نجح في نقل هواجس روسيا إلى العالم الخارجي، خاصة ما يتعلق بالأسلحة النووية الأوكرانية، والبداية كانت من عند إشاعات سرت حول قيام الولايات المتحدة الأمريكية بإعادة تشغيل مفاعل تشرنوبيل مرة جديدة، بهدف توفير السلاح النووي للأوكرانيين في وجه الروس.
كان لافروف يصرح بلهجة قاطعة بالقول «إن روسيا لن تسمح لأوكرانيا باستخدام الأسلحة النووية، وإن روسيا التي شنت عملية عسكرية خاصة ضد أوكرانيا، ستواجه خطرا حقيقيا إذا حصلت كييف على أسلحة نووية».
صوت الرعب
يعده المراقبون صاحب الصوت الأكثر رعبا في الحرب الأوكرانية، لا سيما بعدما لوح باستخدام الأسلحة النووية، حيث حذر من أن الغرب يخطط لحرب، وأنها إذا اندلعت فستكون نووية بلا أدنى شك، وأكد أن بلاده لديها «عقيدة عسكرية» تتحكم وتفصل شروط استخدام السلاح النووي.
ألقى بلائمة الأزمة النووية حال حدوثها على الجانب الأمريكي، خاصة بعد أن ذكر الجميع أن الرئيس بايدن هو الذي أشار إلى أن البديل الجاهز للعقوبات على روسيا هو الحرب النووية. في المقابل أشار أن بلاده لن تسمح لأي استفزازات أن تخرجها عن إرادتها أو تدفعها إلى شن الحرب، حتى وإن كانت أعمال من وصفهم بالنازيين على الجانب الأوكراني.
شجار التدخين
يقول أحد الدبلوماسيين الأفارقة إن لافروف يتحدث الفرنسية بطلاقة، وإنه رجل دافئ الأحاسيس والمشاعر، ومن السهل التحدث إليه، وحتى عندما تقابله للمرة الأولى تشعر سريعا كما لو أنك تعرفه منذ 10 سنوات وأنك قابلت صديقا قديما.
عاشق للرياضة، ويذهب سنويا مع أصدقائه للتجول والمشي في الطبيعة، ويحب كتابة الشعر، أما استهلاكه للتبغ فأمر معروف عنه، وقد قاده مرة للشجار مع أمين عام الأمم المتحدة الأسبق الراحل كوفي عنان، الذي حرم التدخين داخل مبنى الهيئة الأممية، غير أن لافروف خالف ذلك صراحة.
وزير الخارجية الروسي متزوج من نصف قرن من ماريا ألكسندروفنا، وله منها ابنة واحدة اسمها «إيكاترينا» ولدت خلال عمله في نيويورك ولم تعد معه إلى روسيا حين استدعوه لتكمل دراستها، ومتزوجة من ابن أحد أكبر أصحاب مصانع الأدوية في روسيا، وحضرت حفل زفافها شخصيات عالمية.
وصفه السكرتير السابق للأمم المتحدة كوفي عنان، بأنه رجل حكيم وذكي، فيما يرى لين كيسلر الصحافي المخضرم وعضو مجلس الشؤون الخارجية، وهو مؤسسة بحثية أمريكية، أن لافروف رجل استعراض لا يتردد في استخدام خنجر دبلوماسي.
أرقام في حياة سيرجي لافروف:
1950 ولد في موسكو لأب من أصول أرمنية
1972 تخرج من قسم اللغات الشرقية بمعهد موسكو
1972 بداية عمله بالدبلوماسية في سريلانكا
1976 مديرا للعلاقات العامة في وزارة الخارجية
1994 مندوبا لروسيا في الأمم المتحدة
2004 وزيرا لخارجية روسيا الاتحادية
2014 اختاره بوتين وزيرا لخارجية روسيا