▪︎ مجلس نيوز
«الصراحة راحة» هذا ما يقال في ثقافتنا الدارجة؛ والتي يتلفظ بها البعض بغرض الوضوح التام تجاه أمر هام قد حدث أو سيحدث جراء موقف بين اثنين أو أكثر سواء أكان ذلك الموقف إيجابيا أم سلبيا؛ فإن تلك الصراحة تعتبر صحية في شكلها ومضمونها وتضفي على النفس شعورا مريحا للقائل والمتلقي في آن واحد وتعكس حالة من الرضا العام لتدوم العلاقة بسلام.
المشكلة تكمن في سلبية الطرح وشناعته بأن تصبح الصراحة وقاحة في منتهاها عندما يعتريها السلوك اللفظي المشين والفعلي المهين بين الأطراف من باب لعبة الصراحة والمكاشفة والشفافية؛ ذلك ما تجسد في أحد الأفلام العربية والذي صدر مؤخرا بنسخته الأخيرة مطلع هذا العام 2022 وتناول في حواره أبعادا لا تليق بخصوصية مجتمعاتنا.
لست ناقدا سينمائيا ولا خبيرا في صناعتها؛ ولكني كمشاهد يحق لي كما هو لغيري تقييم المنتج الفني المشاهد والمادة المعروضة خصوصا إذا قام بالأدوار ممثلون مؤثرون في الوطن العربي وعلى شريحة كبيرة من مختلف المراحل العمرية والفكرية.
في رأيي النفسي والمعرفي أن الانفتاح العالمي إعلاميا وثقافيا هو سيل جارف يحمل معه الغث والسمين؛ وللأسف لم يستفد عالمنا العربي من هذا الجريان الدافق سوى غثائه الأحوى؛ وأغفلنا دسامة الإبداعات المختلفة والثقافات العالمية المتنوعة لتحقيق مبدأ التعارف الذي أمر به خالق الكون ومدبره وأكده في محكم تنزيله حيث قال «وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا» لتحقيق الإعمار الكوني والبشري من خلال التبادل المعرفي.
أثار الفيلم حنق الشارع العربي على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي وتحديدا أهل الصنعة السينمائية من العرب الفنانين والممثلين والكتاب والنقاد والصحافة الفنية.
دار في ذهني عدد من التساؤلات؛ ما الهدف من تكرار هذا الفيلم وطرحه بنسخته العربية؟ هل وصلنا للشح الإبداعي والفقر الفني في كتابة النص العربي؟ ما هي حدود الصراحة بين الأصحاب؟ ماذا يعني الزواج وما هي عوامل تربية الأبناء؟ هل نستطيع أن نفاخر بهذا المنتج السينمائي؟
الفيلم العربي نسخة من الفيلم الإيطالي «Perfect Strangers» الذي تم عرضه عام 2016؛ وفي عام 2017 تم عمل نسخه إسبانية تحاكي الفيلم الأصلي؛ «غرباء بالكامل» حتى اسم الفيلم الأصلي لا يعكس محتوى الفيلم المقلد عربيا والذي يشير اسمه لقوة الصداقة والمعزة الحاصلة بينهم.
نحن نمتلك في مجتمعاتنا الكثرة والوفرة من القصص الواقعية كمرجع ومحاكاة يمكن أن تؤدى أفلاما ومسلسلات تلفزيونية نعالج بها الكثير من شؤوننا اليومية وقضايانا المجتمعية؛ أي أنه لا يوجد ما يضطرنا للنسخ واللصق والتقليد الأعمى لما لدى الغرب والذي لا يليق بنا أحيانا ولا بواقعنا العربي الذي يكاد يكون متشابه الثقافات والعادات والتوجهات.
الصراحة مطلوبة لكنها تحتاج إلى الكثير من الحياء، فالفطرة الإنسانية السامية تنضوي تحت الخجل اللفظي والاحتشام الفعلي؛ حتى بين الشريكين يحتاج الأمر إلى اللباقة السلوكية في أدق التفاصيل، لأن الزواج مؤسسة ومنظومة تعقبها ذرية تحتاج إلى تعزيز قانون القيمة والقامة والاحترام والالتزام التربوي والأخلاقي الذي ينصاع له جميع الأطراف فما بالك بالسلوكيات بين الأصحاب فذلك مدعاة أن يكونوا أكثر انضباطا واستقامة وتقديرا لديمومة الروابط.
يحتاج الأبناء في عصر الانفتاح الفضائي إلى نقل النمذجة الأخلاقية من الأب والأم ومن المؤثرين في مجال الفن والصحافة والإعلام التقليدي والجديد.
هذا الفيلم عار علينا كالغراب الذي حاول تقليد مشية الحمامة فأضاع مشيته وفقد هويته؛ مجتمعاتنا تزخر بإبداعات الكتاب والمخرجين المحترمين والممثلين الأعزاء.
@Yos123Omar