▪︎ مجلس نيوز
– يبدو الجو باردا، فلماذا لا تلبس ملابس ثقيلة؟!
– إنني لا أشعر بالبرد!
– بل الجو بارد ويجب عليك أن تلبس الملابس الثقيلة!
في هذا الحوار مثال واضح وصريح للتنميط، فمن يشعر بالبرد شخص، ويريد أن يسقط شعوره بالبرد على الآخرين؛ بل ويريد تنميطهم بحسب نمطه السائد في داخله، فإن كان يشعر بالبرد، فعلى الناس أن تلبس الملابس الثقيلة، وإن شعر بالجو الدافئ كان لزاما عليهم أن يشعروا بما يشعر به وأن يتخلوا عن ملابسهم الثقيلة!
في المجتمع الذي يقل إيمانه في الاختلاف بين الناس، تكون هناك هجمة لتنميط الناس، وهذا التنميط لا يقتصر على الأفراد بل يمتد لكل أشكال الحياة والمؤسسات، والتنميط هو تعميم صفة محدودة على جميع الناس بغية تشابههم، وفي أحسن الأحوال، يمارس الناس التنميط بحسن نية باعتبار هذا التنميط هو الصواب، ويقوم هذا الفعل على مقدار كبير من الثقة بصحة وسلامة أفعاله التي أبرز صفاتهم النسبية، من جهة، ومن جهة أخرى يمارس بهدف تحقيق أعلى المكاسب!
عموما ما يفعله الناس من أجل التنميط أمر طبيعي في ظل نزعة الإنسان لامتلاك الإنسان، ليس فقط جسده أو خيراته بل لعقله أيضا، فالإعلام بكل أشكاله، ينمط مستهدفيه؛ فهو يعرض عليهم ما يريد عرضه عليهم، غير آبه باختلاف الناس، ليخلق لديهم اهتماما يختاره هو، وكأنه يرسل لهم رسائله: هذا هو الأبرز وهذا هو الأهم وهذا ما يجب أن تراه وتسمعه، وهذا ما يجب أن تأخذ به كرأي ويكون لك تأثير.ويغطي صفة التنميط هذه بعرض خيارات محدودة، وتحت سيطرته، ليعطيك صفة الاختيار، لكن هذه الخيارات محدودة وتبقى في ظل تنميطه لك، وأبرز مثال على ذلك، تركز الأخبار على الإيذاء والاعتداء والحرب بينما السلم والحب والفن والسلام أكثر منها.
حتى تلك المؤسسات التي تقدم لك الخدمات إنما تقدمها في سياق ما ترغب به لك، وفق نمطها. لا ما ترغب فيه. ولا أدل على ذلك من المؤسسات الديموقراطية، التي تعطي خيارات محدودة للديموقراطية لتنميط شكلها في عقلك حتى لا ترى إلا في الديموقراطية الغربية الحالية في ميكانيكيتها هي الشكل الوحيد للديموقراطية المحققة لرضى الناس.
بينما تطرح مؤسسات أخرى شكلا للديموقراطية المجتمعية لا يقبلها السياسي الغربي؛ لأنها تقوض سلطته وصلاحيته، بل ويتم تنميط الحياة الاجتماعية، فيصر الغرب على تقديم صورته الاجتماعية كصورة نمطية مثالية يجب أن تتبع في العالم كله، وهي الملائمة للإنسان وحقوقه.
أما على مستوى الاقتصاد، فإن اقتصاد السوق الحر تم تنميطه هو الآخر، فكأنه هو الشكل المثالي هو الآخر للفعل الاقتصادي الإنساني، وأن ما سواه هو سوء إدارة اقتصادية، بينما ما نراه عكس ذلك، فقد نجحت الصين برغم أن اقتصادياتها مختلفة، وفي العموم هم لا يريدون خصوصيتك إلا في تراثك حتى إن زاروا بلدك يجدوا ما يرونه غريبا وبديعا وجميلا فحسب، عدا ذلك يجب أن يكون بحسب النمط الذي اعتادوا عليه!
أما على مستوى الأفراد، فإننا نرى كيف أن الناس تنمطك بحسب خياراتها هي غير قابلة لاختلافك، فحتى حديثك (غير المعتدي فيه على أحد) لا يعجبهم ويكون محل انتقادهم ما لم يكن في سياق ما يودون الحديث عنه، لا على الشكل الذي تحبه أنت، أما سلوكك، فلا أبرز من مثال وهو من لا يتوافق سلوكه من السلوك الجمعي فهو شاذ عنهم إلا دليل صارخ على ذلك خاصة إن كان سلوكك خيارا لا يؤذي أحد، ولا أدل من ذلك إلا الحوار الذي بدأنا فيه هذا المقال!
Halemalbaarrak@