[ad_1]
تشير تلك الاعتبارات والتقارير التي تتحدث عن مؤشرات النمو في الاقتصاد الصيني، مع شيء من التخمين والتوقعات، إلى أن نمو اقتصاد الصين في 2020 سيكون أسرع بنسبة 2 في المائة تقريبا من الاقتصادات الكبرى الأخرى التي تواجه انكماشات. غير أن الصين لا تزال تجابه تحديات خطرة. وفي هذا السياق تبرز قضيتان مهمتان: الأولى توفير فرص عمل جيدة، والأخرى الإنفاق المالي.
أوجدت الصين حتى هذا الوقت من العام أكثر من عشرة ملايين وظيفة جديدة، لتتجاوز بذلك مستهدفها الرسمي المحدد بتسعة ملايين. لكن التجارب الماضية تشير إلى أن نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.5 في المائة لا يكفي لدعم إيجاد تسعة ملايين وظيفة عالية الجودة. وبالفعل يناضل كثير من خريجي الجامعات لإيجاد عمل مناسب. الواقع أن النمو الهائل في التوظيف في الصين هذا العام ربما جاء على حساب إنتاجية العاملين.
على الجانب المالي، ينبغي للصين أن تنفق الكثير. أعلم أن وزارة المالية تقدر إجمالي إيرادات الميزانية العامة في 2020 بنحو 21 تريليون رنمينبي، وعجز الميزانية بنحو 3.7 تريليون رنمينبي – أي نحو 3.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. غير أن هذا يعني أن الحكومة الصينية افترضت نموا اسميا بنحو 5.4 في المائة في 2020، وهو ما يزيد كثيرا على نسبة 3 المائة المرجحة (2 في المائة نموا سنويا، زائد 1 في المائة نسبة معامل انكماش الناتج المحلي الإجمالي). وعلى هذا، فإن السبيل الوحيد لتحقيق نسبة العجز المستهدفة (3.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي) يكمن في تقليص النفقات الحكومية.
هذا بالضبط ما فعلته حكومة الصين في الأرباع الثلاثة الأولى من 2020، حيث خفضت نفقات الميزانية العمومية العامة بنسبة 1.9 في المائة. لكن هذا التحرك تضاءل تأثيره بفعل هبوط الإيرادات العامة بنسبة 6.4 في المائة. كما واصلت الحكومات المحلية زيادة نفقاتها من خلال الصناديق الحكومية المحلية، التي أنشئت لتمويل المشاريع الاستثمارية. (نظريا، ستسدد تلك الديون من عوائد المشاريع الاستثمارية ذات الصلة).
تمول الحكومات المحلية أوجه العجز في ميزانياتها بإصدار سندات مشاريع خاصة بها. وسمح لها هذا العام بإصدار سندات من هذا النوع بقيمة 3.75 تريليون رنمينبي – وهي الحصة التي استوفتها تلك الحكومات بالفعل. وأصدرت الحكومة المركزية سنداتها الحكومية المقررة بمبلغ 3.76 تريليون رنمينبي، فضلا عن سندات الإغاثة من كوفيد – 19 بقيمة تريليون رنمينبي.
ولا يعني ذلك حتمية قيام الصين بكبح الإنفاق بدرجة أكبر. بل على العكس، يجب على الحكومة، إذا أرادت التصدي للتحديات المقبلة، زيادة العجز المستهدف في ميزانيتها وتنفيذ سياسة مالية أكثر توسعا، مدعومة بسياسة نقدية أكثر توسعا.
لا يحمل مثل هذا النهج في طياته مخاطرة للصين إلا بقدر ضئيل، إذ تبلغ نسبة الدين العام للدولة 52.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة بسيطة، فيما لا يزال هناك أمام الحكومة مجال واسع لإصدار مزيد من السندات لدعم الاستثمار في البنية التحتية الذي من شأنه تعزيز النمو.
فضلا عن ذلك، يعد المعدل الحقيقي لنمو الناتج المحلي الإجمالي للصين أقل من المعدل المحتمل، إذ لم يتجاوز المؤشر الأساسي لأسعار المستهلكين 0.5 في المائة في تشرين الأول (أكتوبر)، بينما لم يبرح مؤشر أسعار المنتجين النطاق السلبي منذ تموز (يوليو) الماضي. أضف إلى ذلك نجاح الدولة في احتواء كوفيد – 19، وتضاؤل دواعي القلق بشأن إمكانية ارتفاع التضخم أو حدوث انهيار مؤثر في موقف الصين المالي في المستقبل القريب. في الحقيقة، وكما أظهرت سياسات التقشف الفاشلة في عدد معتبر من الدول، فإن الخطر الأكبر الذي يهدد موقف الصين المالي قد لا يأتي من الإنفاق.
بالطبع يبقى أن تكون مؤشرات الاقتصاد الصيني محاطة بتحديات بنيوية عميقة، تحتم على السلطات مواصلة العمل على معالجتها حتى ينمو الاقتصاد بصفة ثابتة ومنتظمة في الأعوام المقبلة. لكن هذا يتجاوز نطاق سياسات الاقتصاد الكلي.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2020.
[ad_2]
Source link