من الواضح أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، ستمضي قدما في إجراءاتها التجارية ضد الشركات الصينية إلى آخر يوم لها في البيت الأبيض، فالخلاف الأمريكي – الصيني الذي أنتج حربا تجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، تعمق خلال الأعوام الأربعة الماضية، إلى درجة لم تعد الثقة بين الطرفين حاضرة، خصوصا في ظل اتهامات واشنطن لبكين على أكثر من صعيد، بما فيها السياسي أيضا. ومن جانبها لم تكن الحكومة الصينية مستعدة لأي اتفاق مع إدارة ترمب، بما فيها الاتفاق الهش الذي تم بينهما في العام الماضي، والذي لم تنتج عنه أي حلول جذرية للخلافات التجارية. كانت اللقاءات تتم بين الطرفين دون أي نتيجة تذكر، بل كانت تنتهي بتجديد الاتهامات المتبادلة بينهما، التي خرج بعضها عن اللياقة الدبلوماسية.
بكين وقبل أيام من مغادرة الرئيس ترمب البيت الأبيض، فضلت شن حملة جديدة ضد هذا الأخير، فليس هناك شيء يمكن أن تخسره، خصوصا أنها تعلق آمالا كبيرة على علاقات متوازنة أو على الأقل غير عدائية مع الولايات المتحدة في عهد الرئيس القادم جو بايدن. ولذلك، فإنها اتهمت رسميا واشنطن بـ”التنمر”، ولا سيما في أعقاب قيام الأخيرة بوضع عشرات الشركات الصينية على قوائم العقوبات بتهمة ارتباطاتها المحتملة بالجيش الصيني.
وهذه الخطوة الأمريكية لا تعد مهمة من حيث حجمها مقارنة بالعقوبات التي فرضتها إدارة ترمب في الأعوام الأربعة الماضية على مئات الشركات في الصين، فضلا عن الرسوم الإضافية التي تم فرضها على السلع الصينية التي تصل إلى الولايات المتحدة، رغم أن بكين فرضت رسوما انتقامية مشابهة على السلع الأمريكية. بالطبع لن تسكت حكومة بكين على الخطوة الأمريكية الأخيرة، علما بأنها تحاول في كل المناسبات التخاطب المرن والهادئ مع إدارة بايدن المقبلة.
إلا أن هذه الأخيرة لن تفتح أمام الصين الأبواب مشرعة، خصوصا أنها تعترف بصواب كثير من الاتهامات التي توجهها إدارة ترمب للحكومة الصينية، ولم ترد في الواقع بصورة واضحة على “المغازلات” الصينية لها. أي أن الأزمة الراهنة بين الصين والولايات المتحدة لن تشهد حلا سريعا في ظل إدارة بايدن، خصوصا أن هذا الأخير مهتم كثيرا بالجوانب السياسية الأخرى، مثل ملف حقوق الإنسان في الصين، وتعامل بكين المرفوض من قبل الولايات المتحدة وشركائها الغربيين، في مسألتي هونج كونج وتايوان.
إلى جانب طبعا، اتهامات التجسس التي وجهتها واشنطن للقيادة الصينية، والتي أدت كما هو معروف إلى إغلاق قنصلية للصين في الولايات المتحدة، وقيام بكين برد مماثل على الفور. الملفات الخلافية كثيرة، وهي مشابهة بصورة أو بأخرى لملفات خلافية أخرى بين الصين وعدد من العواصم الغربية الأخرى، الأمر الذي يعزز الاعتقاد بأن الإدارة الديمقراطية الأمريكية، لن تكون سهلة في معالجتها لكل الملفات، وإن كانت تختلف عن إدارة ترمب في أدوات حل الخلافات.
بمعنى آخر أن الإدارة الأمريكية الجديدة ستكون أكثر هدوءا في مواجهة هذه الخلافات، دون وجود ضمانات للتوصل إلى حلول ناجعة لها. وفي كل الأحوال، ستحاول واشنطن في ظل ما تبقى لترمب من زمن في قيادة الولايات المتحدة، مواصلة نهجها حيال الصين على كل الأصعدة، ولا سيما بعد أن تحولت الخلافات المشار إليها إلى خلافات شخصية بين قيادتي البلدين، الأمر الذي زاد من تعقيدات مسيرة الحلول.
العام المقبل سيشهد بالتأكيد تطورات لافتة على صعيد العلاقات الصينية – الأمريكية، لكن لا توجد مؤشرات على أنها ستكون إيجابية صرفة.