▪︎ مجلس نيوز
دخل الاقتصاد السعودي بدءا من عام 2014 مرحلة شك وقلق بسبب بداية انخفاض أسعار النفط خصوصا مع تسجيل عجوزات في الميزانية تخطت 15% في عام 2015. وكلنا نتذكر في ذلك الوقت تقارير المؤسسات الدولية والإعلامية إضافة إلى وكالات التصنيف الائتماني التي وضعت نظرات متشائمة لمستقبل الاقتصاد السعودي وقدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها.
لم تتعافى أسعار النفط فعليا إلا بحلول عام 2018 لفترة ليست طويلة قبل أن تعود للتذبذب ثم الانهيار مع جائحة كورونا، ولو عدنا لتقارير 2015 لوجدنا أن الكوارث التي تم التحذير منها كان يجب أن تحصل مع وضع أسواق النفط والتوترات السياسية طوال السنوات الماضية. فكيف تم تجنب كل ذلك؟
في البداية يجب التذكير بأن المالية السعودية كانت جيدة باحتياطيات نقدية ممتازة ومستويات دين منخفضة وقطاع مصرفي قوي. كل ذلك مفيد لمواجهة أزمات محتملة ولكنه لا يكفي لمواجهة أزمات طويلة أو متكررة.
من المعروف أن رؤية 2030 تم الإعلان عنها بهدف تغيير هيكلة الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط كي يتم تفادي أي أزمات محتملة قد يتسبب بها انخفاض الأسعار، لكن الإصلاح الاقتصادي في أوضاع طبيعية يختلف عنه في ظل أزمات متتالية. ولم يكن أشد المتشائمين عند إعلان الرؤية ليتوقع أن تستمر أسعار النفط بالانهيار ليتبع ذلك جائحة عالمية غير مسبوقة أدت لشل الاقتصاد العالمي وانكماشه.
إن النجاح خلال ظروف استثنائية يتطلب العمل بطريقة غير استثنائية وهذا الأمر في غاية الصعوبة. ولتوضيح ماهية الظروف غير الاستثنائية وصعوبتها يمكن أن نوجزها في عدة نقاط:
1. الاقتصاد عند بداية كورونا كان تحت ضغط تسجيل عجوزات سنوية متتالية مع محاولة التركيز على برامج الرؤية التغييرية.
2. المخاطر الصحية الناشئة عن الجائحة وخصوصا الضغوطات على القطاع الصحي الذي كان بدوره يمر بمرحلة تطوير.
3. الإغلاقات والضوابط التي ضغطت على قطاعات الأعمال المختلفة.
4. الانهيار المتواصل في أسعار النفط.
كل ذلك كان يعني توقع تسجيل عجوزات إضافية في فترة ما بعد كورونا مع عدم وجود نظرة واضحة للفترة الزمنية التي ستستمر فيها الأوضاع الاستثنائية.
ما حصل أنه تم مواجهة كل الظروف بمرونة كبيرة وثقة بالأهداف البعيدة المدى فحصل توازن باتخاذ القرارات للمحافظة على المكتسبات والقدرة على الاستمرار بالعمل بعد انتهاء الظروف، ولا بد من التذكير ببعض التفاصيل لأننا بعد الحصول على النتائج النهائية ننسى صعوبة تحقيقها.
أولا، تابع صندوق الاستثمارات العامة، الذي يعتبر أهم ركائز رؤية 2030، تطبيق خططه واستراتجياته لا بل كان جاهزا للاستفادة من الفرص التي نشأت في الأسواق. وتضمن ذلك إعادة توزيع بعض الملكيات في عدة شركات.
ثانيا، تم تفعيل استخدام أسواق الدين والسندات الدولية للموازنة بين السحب من الاحتياطيات والاستفادة من انخفاض معدلات الفائدة. ويجب التنويه هنا أن العمل الحكومي في تلك الأسواق انتقل إلى مرحلة احترافية أفضل من السابق.
ثالثا، التعامل مع أسواق النفط وإدارة قرارات الإنتاج النفطي في منظمة أوبك وأوبك +، مع ما يرافق ذلك من عمل سياسي معقد.
رابعا، تم مراجعة وتطوير العديد من القوانين والتشريعات التي تتعلق بالاستثمار وسوق العمل والتجارة والسياحة وغيرها.
خامسا، الاستمرار في التغييرات التي تتعلق بالأمور الاجتماعية في مجالات مختلفة.
سادسا، تفعيل إجراءات واليات مكافحة الفساد.
هذه بعض العناوين الرئيسية التي يحتاج تطبيقها إلى استقرار اقتصادي كي يتم التركيز عليها وتجربتها والتحقق منها، ولذلك فإن تطبيقها خلال أوضاع استثنائية كان بحاجة لإدارة استثنائية.
لا شك أن بعض القرارات كانت مؤلمة وغير شعبية، لكن العبرة في النتائج وذلك يحتاج للمحافظة على النظرة بعيدة المدى والاستمرار في دعم العمل عليها.
تتوقع الحكومة السعودية تسجيل فائض في موازنة 2022 وهذا تقدم ممتاز ساهمت فيه عدد من التغييرات الهيكلية في الاقتصاد إضافة إلى تحسن أسعار النفط ونمو القطاعات غير النفطية، إلا أن الأهم من ذلك برأيي هو ما لحظته من عدم النظر إلى الفائض كنتيجة نهائية بل خطوة نحو تحقيق الأهداف. ولا بد من الإشارة أن الفائض المتوقع لا يعوض إجمالي العجوزات السابقة حتى الان، ورغم ذلك يستمر تطبيق الإصلاحات الاقتصادية والمالية.
أعتقد أن أهم ما يسحق الاحتفاء به هو ما تحقق من تغيير في طريقة العمل والمرونة في اتخاذ القرارات والتقليل من البيروقراطية إضافة إلى وضوح الأهداف الاستراتيجية. ما زال هناك الكثير من العمل الصعب، لكن أسلوب العمل هو ما يعطي الثقة بإمكانية الوصول للنتائج المرجوة لمستقبل واعد جدا.