▪︎ مجلس نيوز
هناك بعض المظاهر الغريبة في مجتمعاتنا تمثل صعوبات في التأقلم مع المتغيرات الاجتماعية والقوانين التي تم سنها مؤخرا في المملكة التي كان الهدف منها تحسين نوعية حياة الفرد، وتيسير سبل الحياة للأسر؛ فمثلا يعتقد البعض بأن هدف التصريح بقيادة المرأة هو «شراء المشروبات الروحية» أو نشر الفساد، بينما الهدف هو تيسير حياة الزوجات والأمهات للاهتمام بأسرهن والذهاب للعمل وتوصيل الأطفال للمدارس والتخلص من مشاكل السائقين الأجانب.
وقد نرى مظاهر سلوكيات غير لائقة في اليوم الوطني مثل التحرش بالفتيات بدعوى أنهن غير محتشمات، هذا مبرر مرفوض، لأنه إذا آمنا بهذا المبدأ فقد أقررنا قانون الغاب الذي يبيح اغتصاب كل سيدة في الشارع بدعوى كونها لا ترتدي الحجاب أو كونها متبرجة، والغريب في الموضوع أن نفس الأشخاص الذين يرتكبون هذه السلوكيات اللاأخلاقية يتحلون بالأدب والاحترام وحسن السلوك عند سفرهم لخارج المملكة.
وسمعنا مؤخرا عن أشخاص طلبوا من نجم فني معروف التوسط لدى أسرة فتاة ضحية اعتداء، ونشر هذا النجم فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي يوضح ملابسات ما حدث ولحظات الرعب التي مرت بها هذه الشابة، ووصف النجم صدمته من سلوكيات المعتدي «الشاب» الذي قام بملاحقة موظفة قادت سيارتها بعد انتهاء عملها ليلا من منشأة صحية في طريقها إلى منزل أسرتها، وقام بمغازلتها وعند تجاهلها له قام بافتعال حادث مروري تسبب في إصابات بليغة للشابة الضحية، فهل هناك من يرى في سلوك هذا الشاب الإجرامي مبررا؟ وهل هناك من يجرأ على التوسط في مثل هذه الجرائم أو أي جرائم أخرى، قد تكون الجريمة مخلة بالشرف أو جريمة قتل، والتي قد تحصل نتيجة خلاف بسيط مثل تعديات مرورية بين شابين على طريق عام؟ هل نجد المبررات لمثل هذه الجرائم ونسعى في إطلاق سراح مثل هؤلاء الشباب المتهورين الذين ينخرطون في مثل هذه السلوكيات الإجرامية ويسببون الرعب للمجتمع؛ فيشعر الجميع بعدم الأمان ولا يستطيع الرجل ترك أسرته تخرج من المنزل لقضاء حوائجها؟ هل نسينا حقوق الضحايا والضرر الذي لحق بهم في مسعانا لتخليص المجرم من تبعات جريمته بحكم كونها «غلطة»؟
اطلعت بحكم عملي كطبيب نفسي للأطفال على مدى أكثر من 32 عاما في عدة دول على أحداث وقصص يشيب لها الرأس؛ فهناك من حاول التوسط لرجل في الثلاثينيات اختطف طفلة صغيرة لاغتصابها، وحاول أفراد أسرته باستخدام نفوذهم لدى الجهات الرسمية والضغط على الأم التي تنتمي لجنسية عربية للتنازل. وكوني من أشد المدافعين عن حقوق الطفل ولي كتاب منشور في هذا المجال أقنعت الأم المغلوبة على أمرها بعدم التنازل والأخذ بحق طفلتها مهما كلفها الأمر.
اعتدنا أن نسمع مثل هذه السلوكيات الإجرامية في الغرب، والذي يحفل بالتناقضات والعنف، وفي رأيي أن هذه المظاهر لا تمثل المجتمع السعودي أو العربي بقيمه وعاداته وتقاليده المحافظة، وإنما تمثل خللا واضطرابا في السلوك ونزعة إجرامية.
محاولة التوسط في مثل هذه الجرائم هو جريمة لأن معنى ذلك هو إطلاق العنان للمعتدين ومباركة مثل هذه السلوكيات في المجتمع، وقد يرى أقارب المعتدي أن هذه «غلطة لن تتكرر» ولكن أبحاث علم النفس والقانون تشير إلى أنه في غالبية الحالات نكتشف أن الفاعل له سجل سابق في سلوكيات عنيفة أو مخدرات أو حتى إجرامية ضد أشخاص آخرين، بل ونكتشف أن أفرادا آخرين من نفس الأسرة لهم نفس السلوك، وأن محاولة إنقاذ المعتدي من العقاب لأن له أسرة متنفذة أو قبيلة تجمع له الدية بعشرات الملايين لتدفعها إلى أهل الضحية ستؤدي إلى استمراره في تكرار هذه السلوكيات، والاستهتار بسلامة الغير والتعدي على حقوقهم كونه نجا من العقاب وهذا بحد ذاته يعتبر محفزا لهذا المجرم وغيره.
شرع ديننا الحنيف العقاب للمعتدي لتسود العدالة في المجتمع والاستقرار، وليشعر أفراد المجتمع بالأمان في بيوتهم وبين أهاليهم، قال صلى الله عليه وسلم «إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد» رواه البخاري.
almaiahmad2@