▪︎ مجلس نيوز
سأركز في السطور التالية على تكنولوجيا المعلومات لأن هذه التكنولوجيا جلبت تغيرا هائلا لقطاع كبير من القوة العاملة. يرى بعض الأشخاص أجهزة الكمبيوتر وهي تؤتمت الأعمال فتستنتج أن البطالة الناشئة عن التكنولوجيا حتمية. وتتناول دراسة حديثة الطريقة التي يمكن أن تؤدي بها أجهزة الكمبيوتر مهام وظيفية مختلفة. وتنتهي الدراسة إلى أن 47 في المائة من الوظائف في الولايات المتحدة تندرج تحت مهن معرضة بشدة لخطر الأتمتة خلال العقد المقبل أو نحوه. فهل يعني ذلك أن نصف الوظائف كلها تقريبا على وشك أن يلغى؟.
لا يرجح ذلك. فلا يعني أن الوظائف ستلغى لمجرد أن أجهزة الكمبيوتر قادرة على أداء بعض المهام الوظيفية. ولنأخذ وظيفة صراف البنك مثالا. ركبت أجهزة الصرف الآلي للمرة الأولى في الولايات المتحدة وغيرها من الاقتصادات المتقدمة في السبعينيات. وتنفذ هذه الأجهزة بعض المهام الأكثر شيوعا التي يؤديها صراف البنك، مثل صرف النقدية وتسلم الإيداعات. وبدءا من منتصف التسعينيات، أخذت البنوك تتوسع بسرعة في استخدام هذه الأجهزة، ويوجد في الولايات المتحدة وحدها اليوم أكثر من 400 ألف من هذه الأجهزة. وقد يتوقع المرء أن هذه الأتمتة تنقص من أعداد صرافي البنوك، لكن الواقع هو أن عدد وظائفهم لم ينقص مع تعميم أجهزة الصرف الآلي. وبدلا من أن تضيع وظائفهم تضافر عاملان للحفاظ عليها.
فأولا، زادت أجهزة الصرف الآلي من الطلب على صرافي البنوك لأنها حدت من تكلفة تشغيل الفروع المصرفية. وبفضل هذه الأجهزة، تناقص عدد الصرافين اللازمين لتشغيل أحد الفروع المصرفية في السوق الحضرية في المتوسط من 20 إلى 13 صرافا في الفترة بين عامي 1988 و2004. إلا أن البنوك استجابت بفتح عدد أكبر من الفروع للتنافس على الفوز بحصة أكبر من السوق. فزاد عدد فروع البنوك في المناطق الحضرية بنسبة 43 في المائة. وقل عدد الصرافين المطلوبين لكل فرع، إلا أن زيادة عدد الفروع كانت تعني عدم اختفاء وظيفة الصراف.
وثانيا، في حين قامت أجهزة الصرف الآلي بأتمتة بعض المهام، فقد أصبحت للمهام المتبقية التي لم تؤتمت قيمة أكبر. فمع سعي البنوك إلى الفوز بحصص أكبر في الأسواق، أصبح الصرافون جزءا مهما من الفريق المصرفي المعني بالعلاقات. فكثير من احتياجات عملاء البنوك لا يمكن أن تلبيها الماكينات، ولا سيما العملاء أصحاب الشركات الصغيرة. ويمكن للصرافين الذين يكونون علاقة شخصية مع هؤلاء العملاء أن يساعدوا على أن يبيعوا لهم خدمات ومنتجات مالية مرتفعة الهوامش. وتغيرت مهارات الصراف، إذ أصبح للتعامل النقدي أهمية أقل وللتفاعل الإنساني أهمية أكبر.
وإجمالا، كانت الاستجابة الاقتصادية لأتمتة عمل صرافي البنوك أكثر ديناميكية بكثير مما يتوقعه عدد كبير من الناس. ولا جديد في ذلك. فالأتمتة خلال الثورة الصناعية لم توجد حالة من البطالة بسبب التكنولوجيا.
وخلال القرن الـ 19 على سبيل المثال، قامت المغازل الكهربائية بأتمتة 98 في المائة من العمل اللازم لغزل ياردة واحدة من القماش. ومع ذلك زاد عدد وظائف الغزل في المصانع على مدى هذه الفترة. فقد كان انخفاض تكلفة العمل للياردة يعني انخفاض السعر في الأسواق التنافسية، وكان انخفاض السعر يعني زيادة حادة في الطلب على القماش، وكانت زيادة الطلب على القماش تزيد الطلب على عمال الغزل رغم انخفاض حجم العمل المطلوب لإنتاج ياردة واحدة من القماش. وعلاوة على ذلك، في حين استمرت التكنولوجيا في أتمتة مزيد من أعمال الغزل، أصبحت المهارات المتبقية لعمال الغزل، مثل المهارات اللازمة لتنسيق العمل عبر مغازل متعددة، متزايدة القيمة. وارتفعت أجور عمال الغزل بصورة حادة مقارنة بأجور العاملين الآخرين في أواخر القرن الـ 19.
ويستجيب الاقتصاد ديناميكيا بوسائل أخرى أيضا. وفي بعض الحالات، تنشأ وظائف جديدة في مهن ذات صلة. فالنشر المكتبي كان يعني تناقص عدد عمال الطباعة، لكن تزايد عدد مصممي الجرافيكس، ونظم هواتف الشركات المؤتمتة تعني تناقص عدد موظفي تحويلة الهاتف لكن تزايد عدد موظفي الاستقبال الذين تولوا مهام التفاعل الإنساني التي كان موظفو تحويلة الهاتف يؤدونها في السابق. وفي كل حالة، كانت الوظائف الجديدة تتطلب مهارات جديدة ومختلفة. وتبدو الوظائف الجديدة في بعض الأحيان في قطاعات غير ذات صلة بالمرة. وعلى سبيل المثال، مع اختفاء الوظائف الزراعية، ظهرت وظائف جديدة في قطاعي الصناعات التحويلية والخدمات… يتبع.