▪︎ مجلس نيوز
تعتمد نحو 169 صناعة على أشباه الموصلات، هذه المواد موجودة في قلب أجهزة الحاسوب، والهواتف الذكية، وكذلك السيارات، وفي كل جهاز ذكي حتما. مداهمة كوفيد – 19 العالم وقطعه سلاسل التوريد، ولد طلبا استثنائيا عجل من النقص التاريخي، ما أربك العالم، “لكن لهذا الإرباك جانب إيجابي”.
ويقول لـ”الاقتصادية” توماس جودزيك، مدير المحفظة الرئيس لصندوق التقنيات المبتكرة في مصرف “جي سافرا سارازان” السويسري الخاص، إن النقص الناجم عن الطلب الاستثنائي غير المتوقع لسلعة أساسية في حركة العالم الرقمي، وما تتسم به هذه السلعة من تعقيد في الإنتاج، إنما يعمل الآن على تغيير قطاع صناعة أشباه الموصلات بشكل جذري، وبموجبه “تمضي هذه الصناعة يوميا في طريق التغيير”.
لكن كيف عجلت الأحداث بالنقص غير المسبوق في أشباه الموصلات؟ يقول، جودزيك، في البداية، كانت المخزونات شبه معدومة وسلسلة التوريد جيدة جدا، ثم بسبب الإغلاقات الناجمة عن الجائحة وتكرارها لنفسها، اضطرت بعض المصانع إلى الإغلاق، ما صنع أول كسر في السلسلة.
وأيضا بسبب الإغلاق، ارتفع الطلب بشكل كبير عندما اضطرت الشركات إلى تحديث بنيتها التحتية لتقنية المعلومات وتجهيز نفسها للعمل عن بعد.
يضيف، زاد أيضا من نقص الرقائق الطلب على الإلكترونيات الشخصية والموجة الأولى من تحديثات الهواتف الذكية إضافة إلى إطلاق “آيفون” جديد، كانت أبل واحدة من الشركات القليلة التي تدير سلسلة التوريد الخاصة بها بشكل جيد.
غير أن تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي شهد تطورا، إذ أدى وصول اللقاحات إلى السوق إلى رفع معنويات المستهلكين، ما دفع إلى الارتفاع في مشتريات السيارات والزيادة في الإنفاق الاستثماري للشركات.
لكن الارتفاع في أسعار العملات المشفرة كان أيضا هو الذي عجل بالنقص للاستفادة من عوائدها المرتفعة للغاية فجأة، بدأت شركات التعدين في شراء أكبر عدد ممكن من الرقائق لإنتاج عملتي بيتكوين وإيثيريوم بكل سرعاتها.
الإيثيريوم عبارة عن منصة إلكترونية تتيح للأشخاص إنشاء سلسلة من التطبيقات اللامركزية تتضمن أنظمة وطرق الدفع. مثل بيتكوين، تنتمي الإيثيريوم إلى سوق العملات المشفرة، التي تعمل خارج سيطرة السلطات المركزية مثل المصارف أو الحكومات، مدعومة بتقنية سلسلة كتل المعلومات blockchain.
وسلسلة كتل المعلومات لإيثيريوم تشبه سلسلة كتل المعلومات الخاصة ببيتكوين من حيث إنها سجل لتاريخ المعاملات، ويتم تخزينها أيضا على “سلسلة كتل المعلومات” بطريقة سجلات المعاملات نفسها.
الذي يقف وراء الإيثيريوم هو، فيتاليك بوتيرين. أطلق الإصدار الأول من المنصة في 2015 بمساعدة عديد من المؤسسين المشاركين. منذ ذلك الحين، أصبح الإيثيريوم ثاني أهم عملة مشفرة وساعد في ظهور منافسين جدد لعملة بيتكوين.
فيتاليك بوتيرين، روسي – كندي، ولد في منطقة موسكو، وهاجر إلى كندا مع والديه في سن السادسة، أصبح عالما في المعلوماتية ورجل أعمال في مجال العملات الرقمية، مؤسس مشارك لمجلة “بيتكوين وإيثيريوم ماجازين”. ظهر في قائمة مجلة “فورجن Fortune” لأكثر 40 شخصية مؤثرة تحت سن الـ40 في عالم الأعمال. وتقدر ثروة، بوتيرين حاليا، بنحو 1.05 مليار دولار، ويقدر راتبه بنحو 140 ألف دولار.
قطاع السيارات هو أكثر القطاعات الاقتصادية، التي عانت النقص وأولها، التي نفدت فيها الرقائق. السبب، يفسره، جودزيك، الذي يرى أن إدارة سلسلة توريد الرقائق في قطاع السيارات الشخصية “كانت سيئة بشكل خاص”. يقول لـ “الاقتصادية”: نحو أربعة ملايين سيارة لم يكن ممكنا إنتاجها، ما يمثل خسارة قدرها 100 مليار دولار للصناعة.
عن آفاق مصنعي أشباه الموصلات في الأشهر المقبلة، يقول المسؤول في مصرف سارازان، إن المصنعين يقولون إن دفاتر الطلبات الخاصة بهم ممتلئة خلال العامين المقبلين، لتصبح بذلك الصناعة الأولى من حيث الأهمية.
ويقول: ندرك اليوم كيف أن أشباه الموصلات هي أساس العالم الرقمي، الصين، التي تنتج 8 في المائة فقط من الرقائق، تدرك أنها لا تملك الصناعة، التي تتناسب مع أهمية استهلاكها.
ما يتعلق بالموعد المقدر لعودة مصنعي الرقائق إلى سرعة الانطلاق مثلما كانت قبل الأزمة، يقول، جودزيك: كقاعدة اقتصادية، عادة ما ترتفع مستويات المخزون بشكل كبير أثناء الأزمات، ما يؤدي إلى الضغط على الأسعار، التي تنهار في نهاية المطاف، لكن بالنسبة للرقائق، الأمر مختلف، فإن إنتاج الرقيقة الواحدة يستغرق ستة أشهر، بينما يستغرق بناء مصنع جديد ثلاثة أعوام.
على الرغم من ذلك، يقول: يعتقد أن الوضع يجب أن يتحسن في النصف الثاني من العام المقبل، مع ارتفاع متزامن في أسعار أسهم الشركات المنتجة لأشباه الموصلات، حتى ذلك الحين، سيستمر النقص، لكنه سيؤدي إلى تغيير هيكلي في الصناعة.
عن كيفية تحول هذه الصناعة، يقول: إن أصحاب المصلحة أدركوا أهمية أشباه الموصلات في الاقتصاد الرقمي، التي ستدفع الشركات للاحتفاظ بمزيد من المخزون. نتوقع إدارة أفضل لسلسلة التوريد، ولا سيما في قطاع السيارات، الذي لا يمكنه أن يؤمن نفسه إذا ظل معتمدا على الوسطاء.
ويقول: ربما لن نرى بعد الآن إدارة للرقائق من نوع “سنجهزكم في الوقت المناسب”، وهي عبارة أسهمت في زيادة التقلبات التاريخية في العرض، أظن ستقبل الشركات المصنعة للمعدات الأصلية والهواتف الذكية جداول طلبات أكثر قابلية للتنبؤ بها.
لكن في المقابل، هناك شركات أشباه الموصلات تنتج لآلات متخصصة جدا تكون رقائقها معقدة للغاية بحيث لا يمتلك سوى عدد قليل جدا من الشركات المعرفة والموارد المالية لإنتاجها.
ويسمى، جودزيك، ميدان عمل هذه الشركات بسوق احتكار القلة، التي تتمتع بقوة تسعير قوية للغاية. يضيف، كفة الميزان الآن أصبحت أكثر ميلا لمصلحة الرقائق، التي تتيح إدارة أفضل للبطارية، إضافة إلى قدرة أمثل لخزن الطاقة.
أما لماذا لم ترتفع أسعار أشباه الموصلات بشكل كبير منذ بداية النقص، يقول: لم يصبح حجم فروق الأسعار كبيرا، حيث أبرمت الشركات عقودا على مدار العام، ثم يقومون بتعديل أسعارهم في نهاية الفترة. أيضا، اختارت بعض الشركات تمرير تكاليف الإنتاج المتزايدة بشكل تدريجي للغاية، على النقيض من ذلك، فإن رقائق الذاكرة هي الأكثر طلبا، لذلك فهي أكثر تقلبا.