▪︎ مجلس نيوز
بعدما لعبت دور المنقذ للاقتصاد العالمي خلال الأزمة المالية في 2008 وعند تفشي وباء كوفيد – 19، تبدو البنوك المركزية مشتتة في مواجهة مسألة المناخ، فتلقي الكرة في ملعب الحكومات، وفقا لـ”الفرنسية”.
وتواجه البنوك المركزية، على غرار معظم أطراف الأوساط المالية، ارتفاع المخاطر على الاقتصاد جراء التغير المناخي، فضلا عن الضغط المتزايد من جانب الرأي العام والمنظمات غير الحكومية.
وتجاهر بعضها مثل البنك المركزي الأوروبي، علنا اليوم بتدخلها، بسبب العواقب المباشرة للتغير المناخي على مجالات هي من صلب تفويضها مثل استقرار الأسعار، وبالنسبة للمؤسسة المالية الأوروبية مسألة الإشراف على البنوك.
وتنسب بدايات تحرك البنوك المركزية من أجل المناخ أحيانا إلى خطاب يعد تأسيسيا ألقاه مارك كارني حاكم بنك إنجلترا في 2015 وحذر فيه من المأساة التي تلوح في الأفق.
وبين الأدوات التي في متناول البنوك المركزية اختبارات الإجهاد المناخية، الرامية إلى تقييم متانة المؤسسات المالية في مواجهة الصدمات.
وباشر البنك المركزي الأوروبي للتو مبادرات بهذا الصدد، في حين أجرى البنك المركزي الفرنسي منذ أيار (مايو) اختبارات لتسع مجموعات مصرفية و15 شركة تأمين، أشارت إلى خطر معتدل في الوقت الحاضر على هذه المؤسسات.
كما بإمكان البنك المركزي الأوروبي الأخذ بالمخاطر المرتبطة بالمناخ بشكل أكبر في الخيارات المتاحة له في عمليات شراء سندات الشركات وعمليات إعادة التمويل، من خلال إعطاء الأفضلية للشركات التي توفر له ضمانات على شكل أصول “نظيفة”.
ويدرس البنك المركزي الصيني اعتماد اختبارات إجهاد مناخية، فيما باشر بنك إنجلترا إجراءها في حزيران (يونيو) وطبقها على مصارف كبرى مثل إتش إس بي سي وباركليز، على أن يعلن قبل انتهاء العام برنامجا لجعل عملياته لإعادة شراء أصول أكثر مراعاة للبيئة.
وبصورة عامة، انضم العديد من البنوك المركزية إلى “شبكة البنوك المركزية والمراقبين من أجل نظام مالي مراع للبيئة”، التي تجمع اليوم 95 بنكا مركزيا وهيئة رقابة بينها البنوك المركزية الصيني والهندي والبرازيلي.
واقترح البنك المركزي الياباني العضو في الشبكة أيضا، في حزيران (يونيو) اعتماد عمليات تمويل من دون فوائد لهيئات إقراض تمول بدورها أطرافا اقتصادية مشاركة في مشاريع من أجل البيئة، كما يعتزم شراء أصول خضراء بالعملات الأجنبية.
في المقابل، فإن أكبر بنك مركزي في العالم هو الاحتياطي الفيدرالي، لا يتميز عن سواه بطرح مبادرات مهمة. وأكد رئيسه جيروم باول أن حماية البيئة “ليست مسألة نتناولها بشكل مباشر”.
لكن ماري دالي رئيسة فرع الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو أوضحت الأربعاء “نشعر أننا مشاركون في الأخذ بالمخاطر المناخية مثل الكوارث الطبيعية لتحديد عواقبها على الاقتصاد والنظام المالي”.
ورأى جريك دور مدير الدراسات الاقتصادية في معهد إدارة الأعمال “ياسيج” أن تحرك البنوك المركزية “سريع وبطيء” في آن. وأوضح أن “الأفكار يمكن إيجادها وشرحها بسهولة، لكن التطبيق في غاية التعقيد، إذ يتحتم إقناع العديد من الأطراف المشاركة”.
وشدد على “وجوب التحرك بشكل تدريجي” في كل المراحل من فرض قيود مالية على الشركات خلال اختبارات الإجهاد، إلى اختيار الأصول الخضراء لعمليات الشراء.
وعلى غرار ما حصل خلال الأزمتين الماليتين السابقتين، يحض حكام البنوك المركزية في كبرى الدول المتطورة الحكومات على الأخذ بهذه المسائل.
وقال رومان سفارتزمان الخبير الاقتصاد في البنك المركزي الفرنسي وأحد واضعي تقرير “ذا جرين سوان” (البجعة الخضراء) عن الاستقرار المالي في زمن التغير المناخي، إنه “يتحتم على البنوك المركزية تسوية جزء من المشكلة، لكن الأمر لن يفضي إلى نتيجة إن حاولت إيجاد حل بمفردها”.
وتابع “لا جدوى أن يتحرك بنك مركزي بمفرده في دولة لا تبذل حكومتها أي جهد، والعكس صحيح أيضا”. وعبرت كريستين لاجارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي عن الموقف ذاته في خطاب ألقته في تموز (يوليو) في البندقية، فأكدت أن الحكومات “تسيطر على الأدوات الرئيسة الضرورية”.
وكشف تقرير أمس الأول أن الكوارث الطبيعية كبدت الاقتصاد العالمي أكثر من 3.640 تريليون دولار خلال خمسة عقود، بما يعادل نحو 202 مليون دولار يوميا.
وازداد عدد الكوارث على نحو كبير على مدى الأعوام الـ50 الماضية، وتسبب في مزيد من الأضرار لكن عدد الوفيات تراجع بفضل تحسن أنظمة الإنذار، وفق ما أفاد تقرير عرضته الأمم المتحدة.
وبناء على أطلس المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، الذي يحصي عدد الوفيات والخسائر الاقتصادية الناجمة عن الظواهر الجوية والمناخية والهيدرولوجية الشديدة من 1970 إلى 2019، فقد تضاعفت هذه الكوارث خمس مرات خلال هذه الفترة.
وقال بيتيري تالاس، الأمين العام للمنظمة الأممية في بيان “إن عدد الظواهر القصوى الجوية والمناخية والهيدرولوجية آخذة في الازدياد، وستصبح أكثر تكرارا وأكثر عنفا في أجزاء كثيرة من العالم”.
ورصدت في الإجمالي أكثر من 11 ألف كارثة منسوبة إلى هذه الظواهر على مدار العقود الخمسة الماضية في كل أنحاء العالم، ما تسبب في أكثر من مليوني وفاة وفي أضرار مادية بلغت 3.640 تريليون دولار.
وتشمل كوارث كبيرة مثل الجفاف، الذي اجتاح إثيوبيا في 1983، الذي شهد أعلى نسبة وفيات ناتجة عن كارثة طبيعية إذ أودى بحياة 300 ألف شخص.
وكذلك، إعصار إيدا، الذي ضرب أخيرا لويزيانا وميسيسيبي، هو حالة نموذجية، يمكن أن يكون هذا الإعصار الكارثة الأكثر تكلفة في التاريخ متجاوزا إعصار كاترينا، الذي أغرق نيو أورليانز في 2005 مخلفا أضرارا بقيمة 163.6 مليار دولار، لكنه تسبب فقط في حفنة من الوفيات، وفقا لتقييم أولي، بحسب تالاس.