▪︎ مجلس نيوز
ما الذي تعرفه شركة بالانتير تيكنولوجيز ولا يعرفه بقيتنا؟ تعرف الكثير جدا، إذا ما أردنا الحكم من خلال عدد الحكومات المستعدة للدفع مقابل خدمة معالجة البيانات التي تقدمها شركة التكنولوجيا الفائقة الأمريكية.
إذن، ما الذي يجب أن نفهمه من عملية شراء شركة بالانتير هذا الشهر لما قيمته 50.7 مليون دولار من الذهب؟ لقد اشترت الشركة السبائك في حين كانت سوق المعادن النفيسة بعيدة جدا عن التألق.
الأمر نذير سوء، لأنها لم تضع أموالها في صندوق للذهب أو أي أداة مالية أخرى قائمة على التعاملات بالذهب، بل وضعتها في منتهى الأمان بـ 100 أونصة من السبائك ليتم تخزينها، كما تقول: “في منشأة آمنة تتبع لجهة خارجية تقع في شمال شرق الولايات المتحدة”.
أوضحت شركة بالانتير أن هذه القرارات مدفوعة برؤية مفادها أن العالم أصبح أكثر خطورة – أو على الأقل أن التوقعات الاقتصادية والمالية تبدو أقل قابلية للتنبؤ بها. وكما قال شيام سانكار، رئيس العمليات في بالانتير، في مقابلة مع بلومبيرج “عليك أن تكون مستعدا لمستقبل فيه مزيد من الأحداث غير المتوقعة”.
وسرعان ما جعل هذا الاستثمار الإنترنت تعج بنظريات المؤامرة. قال أحد الذين نشروا مشاركتهم على موقع الشبكة الاجتماعية، ريديت: “أحد أكبر عملاء شركة بالانتير هي وكالة الاستخبارات الأمريكية (…) أنا متأكد من أن لديهم بعض المعلومات الداخلية حول ما سيحدث”.
ينبغي أن نضع هذا في السياق. مبلغ الـ 50.7 مليون دولار ليس ضخما بالنسبة لشركة بالانتير، بالنظر إلى أن احتياطياتها النقدية بلغت 2.3 مليار دولار في نهاية آذار (مارس). وأيضا، في حين أن المؤسس المشارك الملياردير، بيتر ثيل، هو مستثمر تكنولوجي وله سجل ممتاز، فإنه لا يوجد ضمان للنجاح المالي في شركة بالانتير. لا تزال الشركة تتكبد الخسائر بعد ما يقارب عقدين على تأسيسها. فإذا كان عملها الأساسي غير مربح، فلماذا ستكون شركة بالانتير جيدة في المراهنة على الذهب؟
لكن مع ذلك، قد يستحق هذا المعدن الثمين أن نلقي عليه نظرة بالفعل. فقد جلب الذهب الفرحة للمهتمين به في العام الماضي، عندما استجاب بطريقة تقليدية لبداية الجائحة، من خلال توفير ملاذ آمن، كما كان الأمر على مر القرون. مع هروب المستثمرين من الأسواق المالية، وتراجع الأسهم العالمية، ارتفع سعر الذهب من 1558 دولارا للأونصة في نهاية عام 2019 إلى مستوى قياسي تجاوز ألفي دولار في آب (أغسطس) 2020.
ومنذ ذلك الحين، عندما سمح إطلاق اللقاحات للاقتصاد العالمي بالتعافي، عاد المستثمرون إلى الاستثمار في الأسهم مدفوعين بتجديد البنوك المركزية التزامها بالحفاظ على أسعار الفائدة منخفضة للغاية. حينها هبط سعر الذهب إلى حوالي 1800 دولار للأونصة.
وما يضاعف من الضغط الهبوطي على سعر الذهب هو المخاوف المتزايدة بشأن التضخم، خاصة في الولايات المتحدة، حيث قفز المعدل السنوي من 1.4 في المائة فقط في كانون الثاني (يناير) إلى 5.4 في المائة في تموز (يوليو). ويقول محافظو البنوك المركزية في الغالب إن هذا رد لمرة واحدة فقط على الاختناقات التي أعقبت الجائحة وعلى الاضطرابات التي أصابت الإمدادات.
لكن هناك تلميحات إلى أن النقص في اليد العاملة يؤدي إلى ارتفاع الأجور – سيكون من الصعب التراجع عن هذه الزيادات. سيكون ذلك موضع ترحيب من حيث الحد من التفاوتات الاقتصادية العالمية، لكنه سيميل إلى رفع مستويات الأسعار العامة، ما يجعلنا عرضة لاستمرار التضخم.
إذا كانت البنوك المركزية سترد بطريقتها المنهجية من خلال رفع أسعار الفائدة، فإن السندات ستبدأ في توليد دخل أعلى، ما يجعل الذهب (والأصول الأخرى عديمة الدخل) أقل جاذبية. إذن، ليس من المستغرب أن تكون النظرة العامة للسوق بشأن الذهب ثابتة في أحسن الأحوال. يرى بنك جيه بي مورجان “استمرار الاتجاه الهبوطي لأسعار الذهب خلال الأرباع المقبلة”. وبالنسبة للسلع بشكل عام يقول بنك جولدمان ساكس إن “التيار ليس صديقنا في الوقت الراهن”.
ضع في الحسبان أنه حتى بعد الانخفاض بنسبة 10 في المائة عن ذروة العام الماضي، لا يزال تداول الذهب قريبا من أعلى مستوى وصل إليه قبل 2020 – عندما قفزت الأسعار بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008، وسط مخاوف متزامنة من التضخم والأزمات المصرفية.
واحرص أيضا على الاستثمار في الذهب من أجل تحقيق مكاسب طويلة الأجل. فعلى مدار الـ30 عاما الماضية، تخلف المعدن كثيرا عن الأسهم الأمريكية، على الرغم من مواكبته للسندات (خلال فترة ركود الدخل الثابت).
لكن هناك أمر إيجابي يتعين ذكره في هذا المقام: على الرغم من ارتفاع عائدات السندات، فإن زيادة التضخم تعني أن أسعار الفائدة الحقيقية ستظل سلبية – بل هي في الواقع انخفضت أكثر في الأشهر الأخيرة. وكما تقول رونا أوكونيل، المحللة في شركة ستون إكس للوساطة التجارية، تكلفة الفرصة لحيازة الأصول التي لا تدر دخلا – مثل الذهب – تراجعت، حيث فقد المستثمرون دخلا أقل في القيمة الحقيقية مما كان عليه الحال قبل بضعة أشهر.
لكن الماضي القريب يشير إلى أن الارتفاع الكبير في الأسعار قد يأتي فقط مع أزمة أخرى، كما حدث في الفترة 2008 – 2011 وعام 2020.
لا يوجد نقص في المحفزات المحتملة – مثل كارثة أفغانستان، وتعطل إمدادات النفط، والتوترات بين الولايات المتحدة والصين، والصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا، وهذا قليل من كثير.
علاوة على ذلك، الخروج المخطط له من نظام المال العالمي السهل غير المسبوق هو انتقال إلى أعماق المجهول المحفوف بالمخاطر. فإذا تصرفت بسرعة كبيرة، فإنك ستخنق التعافي بعد الجائحة. وإذا انتظرت طويلا، قد يخرج التضخم عن السيطرة.
وتتعقد المهمة بسبب الحكومات التي ليست في عجلة من أمرها لرؤية أسعار الفائدة عالية، حيث يفضل بعضهم رؤية التضخم يخفف عبء قروضهم التي أخذوها في فترة كوفيد. سيحتاج محافظو البنوك المركزية إلى جميع مهاراتهم السياسية والمالية لتأمين هبوط آمن. أما إذا فهموا الأمر بشكل خاطئ، فقد ينجم عن ذلك مجموعة كاملة من الأحداث غير المتوقعة التي تحلق في الأفق.
ديفيد نيوهاوزر، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة إدارة الأصول البديلة ليفرمور بارتنرز، من بين أولئك الذين يرون “الفرصة الهائلة في الذهب اليوم”.
في رسالة إلى مستثمريه هذا الشهر، قال إن لديه “شكوكا جدية” في مدى التأثير الذي يتوقعه بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي للتخلي عن سياسات المال السهل على الأسواق والاقتصاد. تاريخ آخر زيادة عالمية في التضخم في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي يشير إلى تأخر السلطات في اتخاذ إجراء جاد حتى فوات الأوان تقريبا، حسبما كتب جون بلندر لـ”فاينانشيال تايمز موني” هذا العام.
لذا، وضع جزء من الذهب في محفظتك في ظل هذه الظروف قد ينطوي على وجهة نظر، خاصة بالنسبة للمستثمرين الذين يكرهون المخاطرة.
لكن لا تذهب إلى أبعد مدى. فإذا كنت قلقا حقا بشأن الانهيار الاقتصادي الكامل، فإنه يجب عليك تخزين المقانق والفاصوليا المطهوة، وليس السبائك. وعلى عكس بالانتير، ليست هناك حاجة لشراء السبائك والقلق بشأن تخزينها: فصناديق الذهب المتداولة في البورصة رائجة اليوم.
وقبل كل شيء، لا تلجأ إلى تصفية بقية محفظتك. فكما سيقول أي مدير ثروة ذو خبرة، التنويع هو مفتاح الحماية المالية الفعالة، بما في ذلك ضد الأحداث المتطرفة. وبعد كل شيء، فإن حصة التداول النقدي في الذهب في شركة بالانتير تقل عن 3 في المائة.