▪︎ مجلس نيوز
أظهرت التوجهات الاقتصادية الإيرانية توجها مخالفا للتوقعات، التي كانت المؤشرات تدل على توجه الحكومة الإيرانية نحو سياسة الانكماش الاقتصادي، من جراء الوضع الناجم عن العقوبات المفروضة عليها، حيث بلغت الموازنة المعلنة نحو 841 ألف مليار تومان إيراني، بارتفاع سنوي يقدر بـ59 في المائة، مقارنة بموازنة العام الماضي، وتحمل الموازنة العامة في إيران دلالات سياسية عميقة تثير خلافات بين الحكومة والبرلمان حول المصادر والأرقام، إذ تعتمد الموازنة العامة في إيران مواردها خلال العام الجاري على خمسة مصادر أساسية، هي: الضرائب والإيرادات الجمركية، والإيرادات النفطية، وإيرادات بيع الشركات والممتلكات الحكومية، إضافة إلى بيع الأوراق والسندات المالية، ومصادر صندوق الادخار القومي، حيث تعد الأكثر جدلا في الأوساط السياسية في البلاد خلال الأعوام العشرة الماضية.
برلمانيا رفضت النسخة الأولى من هذه الموازنة بداعي أنها لا تستند إلى الواقع، الذي تعيشه البلاد، كما أفادت مصادر برلمانية بأن هذه الموازنة تعاني فجوة حجمها 300 ألف مليار تومان، والهدف منها إزالة أي حرج متوقع لحكومة الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي في وضع حرج، في ظل توقعات بوقوع عجز محتمل، بسبب التضخم الناجم عن الموازنة، حيث بنيت الموازنة على أساس التفاؤل بالتقارب مع الإدارة الأمريكية الحالية، ولإسقاط جملة من العقوبات المفروضة عليها، فموازنة العام الجاري تم إعدادها وإقرارها في ضوء تفاؤل بعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، ما يمكن إيران من الاستفادة من عائدات النفط.
جاء رفض البرلمان الإيراني بحجج، أبرزها أنها تمتثل للضغوط الأمريكية، وأن صيغتها ذات الطابع التوسعي تظهر الضعف الإيراني، كما أن البرلمان اعتبرها مبنية على أرضية هشة مبنية على واقع العلاقات المستقبلية، التي تظهر الدولة الإيرانية في موقف العاجز والخاضع للإرادة الخارجية، لكن رفض البرلمان الذي لم يبق طويلا أقرها بعد مرور أيام على العام الإيراني الجديد، حيث مررت الموازنة بعد تغطية إعلامية كبيرة فارغة المضمون، تخللتها نقاشات واسعة في البرلمان الإيراني، شهدت جولات من الشد والجذب بين المحافظين والإصلاحيين، كل حسب رؤيته، لتتم الموافقة على الموازنة وإقرارها، لكن بعد التوجيه من المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، الآمر الناهي في الدولة ومؤسساتها وأجهزتها، التي تعمل وفقا لإرادته المطلقة.
ويشير بعض التقارير المنشورة عن هذا الموضوع إلى استحالة تحقيق نحو نصف الموازنة، خصوصا إذا استمرت الأوضاع السياسية الخارجية بالنسق ذاته، الذي تقوم به الحكومة الإيرانية داخليا وخارجيا، في ظل عجز شبه تام عن رسم أي تغيير في المعادلة الخارجية في مناطق السيطرة، التي تخضع لإرادتها الطائفية، فلا توجد دماء في عروق الميليشيات في كل من سورية، والعراق، ولبنان لإحداث أي تغيير ذي أثر إيجابي، ولن يكون هنالك أي تغيير ينعكس على هذه الموازنة من جهات خارجية سوى بالانفتاح على الغرب والقيادة الأمريكية، من خلال تقديم التنازلات.
أشارت توقعات إعداد الموازنة في سياق هذه القيود، إلى رغبة حكومة المعتدلين في الانفتاح على الغرب والعودة إلى الالتزامات، كما أن إقرارها من البرلمان الذي يحكمه المحافظون يظهر أن هذه الرغبة يتشارك فيها المحافظون والمعتدلون على حد سواء، ما يترتب عليه تجميد وتقييد حركة بعض الملفات، أبرزها الملف النووي، والبرنامج الصاروخي الإيراني، إضافة إلى وقف التدخل في دول الجوار، والكف عن دعم الميليشيات المسلحة، والاتجاه نحو حلحلة الأوضاع في كل من العراق واليمن ولبنان، لتمكين مؤسسات الدولة هناك من العمل لبناء الدولة مجددا، بناء على مصلحة الشعب في كل من تلك الدول بناء على المصلحة العامة، وليس على مصلحة الفريق المحسوب عليها طائفيا أو سياسيا.
رواتب الموظفين أكبر تكلفة لموازنة العام الجاري، راصدة لهم نحو 338 ألف مليار تومان، لتكون حصة الموظفين من الموازنة بنسبة 26.4 في المائة، وسبق أن أعلن مركز الإحصاء الإيراني في تقريره الجديد، أن عدد العمال الذين تبلغ أعمارهم 15 عاما فأكثر في البلاد انخفض من 24 مليونا و273 ألف شخص إلى 23 مليونا و263 ألف شخص، خلال العام الإيراني الماضي حتى نهاية 20 آذار (مارس)، وبذلك يكون أكثر من مليون شخص فقدوا أعمالهم العام الماضي في إيران، وبحسب التقرير، فإن 25 في المائة ممن فقدوا وظائفهم كانوا يعملون في الزراعة، ونحو 75 في المائة في الخدمات العامة، فيما بلغ عدد العاطلين عن العمل نحو 348 ألف رجل و663 ألف امرأة.
وحل القطاع العسكري ثانيا على سلم أكبر الحصص من مصروفات الموازنة، بالحصول على نحو 204 آلاف مليار تومان، بنسبة تبلغ 16 في المائة من إجمالي الموازنة العامة، كما شهدت حصة القطاع العسكري ارتفاعا بنحو 87 في المئة مقارنة بالعام الماضي، ويعد هذا هو العام الثالث على التوالي الذي ينمو فيه الإنفاق العسكري الإيراني بشكل ملحوظ، علما بأن إيران هي الوحيدة في أعضاء “أوبك”، التي ارتفع إنفاقها العسكري بشكل كبير، وقدرت النفقات العسكرية الإيرانية في 2020 بتخطي حاجز الـ70 ألف مليار تومان، ما يظهر زيادة قدرها 28 في المائة مقارنة بـ2019، وبينما كان النمو الاقتصادي العالمي في العام الماضي سالب 4.4 في المائة بسبب تفشي فيروس كورونا، فإن حجم الإنفاق العسكري ارتفع نحو 4 في المائة.
سيحصل قطاع التعليم على نحو 163 ألف مليار تومان من الموازنة العامة للعام الجاري، وفق المشروع، موزعة بين التعليم العالي والتعليم الأساسي والتعليم المهني، وتشهد حصة القطاع ارتفاعا بنسبة 69.8 في المائة مقارنة بالعام الماضي، فيما تظهر أرقام صادرة عن مركز بحوث البرلمان الإيراني، من خلال دراسة أعدت قبل عامين وجود نحو تسعة ملايين شخص أمي، لا يعرفون القراءة أو الكتابة في عموم إيران من إجمالي نحو 80 مليون نسمة، ومع مرور عامين فإن هذه الأرقام في ازدياد، حيث تشير تقارير منظمات دولية إلى أن النسبة الحقيقية تتجاوز هذه الإحصاءات.