▪︎ مجلس نيوز
وصل عدد السفن التي تنتظر دورها لدخول أكبر بوابة أمريكية للتجارة مع آسيا إلى أعلى مستوى له منذ بدء جائحة كورونا، ما فاقم عمليات التأخير بالنسبة إلى الشركات التي تحاول سد النقص في مخزوناتها خلال فترة هي الأكثر ازدحاما في هذا الوقت من العام بالنسبة إلى مجال النقل البحري.
وذكرت وكالة “بلومبيرج” للأنباء أمس، استنادا إلى مسؤولين عن مراقبة حركة النقل البحري في خليج سان بيدرو، أن 44 حاوية رست في وقت متأخر من مساء الجمعة، وتنتظر رصيفا خارج ميناءي لوس أنجلوس ولونج بيتش في ولاية كاليفورنيا، ليتجاوز عدد السفن المنتظرة مستواه القياسي الذي تم تسجيله في وقت مبكر من شباط (فبراير) الماضي.
وارتفع متوسط الانتظار إلى ستة أو سبعة أيام، مقابل يومين إلى ستة أيام، في منتصف الشهر الجاري، وذلك استنادا إلى بيانات ميناء لوس أنجلوس.
ويأتي ازدحام الحاويات بسبب تدفق الواردات على أكبر اقتصاد في العالم، وهي الحال مع وسائل النقل الداخلية كالشاحنات والسكك الحديدية التي تحمل الحاويات، حيث تواجه اختناقات تجعلها لا تنتقل بالسرعة الكافية إلى مراكز التوزيع والمستودعات.
ويمثل نقص العمالة جزءا من المشكلة، إضافة إلى أن الشركات تسعى أيضا إلى زيادة مخزونها قبل نهاية العطلة السنوية، إذ إن شهري آب (أغسطس) وأيلول (سبتمبر) يعدان مهمين لشحن البضائع بالسفن إلى خارج الصين قبل بدء عطلة الأسبوع الذهبي هناك في أوائل تشرين الأول (أكتوبر) المقبل.
وإضافة إلى ذلك، عانى المستوردون الذين يعتمدون على البضائع القادمة من آسيا، بشكل خاص، اضطرابات في عمليات الشحن بسبب الوباء، ومن ذلك ما أعلنه مايك ويتينسكي، الرئيس التنفيذي لشركة دولار تري إينك، لمبيعات التجزئة التي يقع مقرها في فيرجينيا، في مؤتمر هذا الأسبوع.
وأوضح ويتينسكي أنه جرى منع إحدى شحنات الشركة من دخول الصين أخيرا بعدما ثبتت إصابة أحد أعضاء طاقم السفينة بمرض كوفيد – 19، ما أجبر السفينة على الرجوع إلى إندونيسيا وتبديل الطاقم بأكمله، و”وتأخرت الرحلة لمدة شهرين”.
ويشار إلى أنه عند التطرق إلى المعضلات التي تعانيها سلاسل التوريد، فالنقاش يتركز على عمليات الشحن البحري، حيث تنقل أغلب السلع والبضائع بين القارات عن طريق البحار والمحيطات، وبالطبع فإن بحث قضايا الشحن البحري يعني أن النقاش سيضع نصب عينيه المشكلات والتحديات التي تواجه سفن الشحن.
لا يجادل أحد حاليا بأن سلاسل التوريد العالمية تعاني اضطرابا ناجما عن تأثيرات وباء كورونا، التي خلفت أزمة شحن عالمية، لكن جوهر الأزمة المتمثل في ارتفاع تكلفة الشحن، لا يقع على سفن الشحن، بل على النقص الحاد في “الحاويات”، فقد ارتفعت قيمة حجز حاوية 40 قدما لشحن البضائع من آسيا إلى شمال أوروبا من 2500 دولار قبل آذار (مارس) 2020 إلى تسعة آلاف دولار الآن.
وبعض التجار في المملكة المتحدة يشيرون إلى أنهم دفعوا مبلغ 30 ألف دولار للشحن بسب نقص الحاويات، بينما ارتفعت تكلفة البضائع المنقولة من آسيا إلى الساحل الغربي للولايات المتحدة بنسبة 145 في المائة.
في الواقع، يوجد ما يمكن وصفه “بالاستخفاف” أو عدم الاهتمام بأهمية الحاويات وتوافرها للتجارة الدولية، فغالبا ما يتم التعامل مع التجارة الدولية من نظرة أيديولوجية عبر الصراع بين العولمة والحمائية، أو أن يتركز الاهتمام على طبيعة وتفاصيل الاتفاقيات الدولية في هذا المجال، دون أن يبالي أحد باختراع بسيط، ربما كان له دور محوري في حقيقة الأمر في تعزيز التجارة الدولية، هذا الاختراع هو “الحاويات”.
كثير ينظر إلى الحاويات باعتبارها صناديق فولاذية ليس أكثر أو أقل، وبالفعل، فالحاوية في نهاية المطاف صندوق فولاذي بأحجام مختلفة، لكن تأثير هذا الصندوق كان كبيرا في مسار التجارة الدولية.
ولفهم هذا التأثير يكفي القول إنه قبل اختراع الحاويات كانت عمليات تحميل السفن بالبضائع والسلع تتم في أغلبها بشكل يدوي، وعلى الرغم من استخدام الخطافات الفولاذية والسلاسل الحديدية لسحب البضائع وترتيبها على ظهر السفن حتى لا تتحرك وتقع أثناء الإبحار، فإن تلك العملية كانت تتم ببطء شديد، تفاديا للحوادث ولضمان سلامة العمال، وكان ترتيب السلع وتصنيفها على ظهر سفن الشحن يتطلب أحيانا الفترة الزمنية ذاتها التي تقضيها السفينة في الإبحار من ميناء الشحن إلى ميناء الوصول. باختصار كانت عملية الشحن قبل الحاويات مكلفة وتستغرق وقتا طويلا ومحفوفة بالمخاطر بالنسبة إلى عمال الميناء.
ودون الدخول في التفاصيل فإن حرب فيتنام لعبت الدور الأكبر في تعزيز عالم الحاويات، إذ كان الجيش الأمريكي في حاجة إلى تلك الحاويات لنقل كميات ضخمة من المعدات والأسلحة إلى أرض المعركة، وكان مالكوم ماكين رجل الأعمال الأمريكي من باع تلك الفكرة للجيش الأمريكي، لكن الأهم أنه أدرك إمكانية استخدام تلك الحاويات عند عودة السفن الأمريكية من فيتنام، وذلك عبر المرور على اليابان، حيث يمكن ملء الحاويات الفارغة بالبضائع اليابانية.