▪︎ مجلس نيوز
تقاعدت عن منصبي في البنك المركزي البلجيكي في حزيران (يونيو) 2019 بعد أن أمضيت ثمانية أعوام متتالية في المجلس التنفيذي للبنك المركزي الأوروبي، حيث كنت أشغل منصب كبير الاقتصاديين. وبينما كنت أتأمل في الفترة التي قضيتها في الصفوف الأولى، اطلعت على النقاط المهمة التي ميزت مدة خدمتي. خاصة الحديث عن كواليس أزمة الديون السيادية في أوروبا التي نتج عنها التعهد الشهير الذي قدمه ماريو دراجي رئيس البنك المركزي الأوروبي في تموز (يوليو) 2012 بالقيام “بكل ما يتطلبه الأمر” لحماية اليورو – وهو تعهد غير مسبوق كان يهدف إلى تهدئة حالة الذعر في السوق وإتاحة الوقت أمام صناع السياسات لمواصلة تنفيذ التزاماتهم بمكافحة الأزمة – وما تلا ذلك من تحد متمثل في إنعاش اقتصاد منطقة اليورو في وقت تسوده أسعار الفائدة السالبة.
بدأت عملي في البنك المركزي الأوروبي في حزيران (يونيو) 2011، بعد بضعة أعوام من بداية الأزمة، وأصبحت كبير الاقتصاديين في كانون الثاني (يناير) 2012. ولم يكن المناخ مريحا، حيث كانت هناك بيئة يسودها الذعر شبيهة بما عايشته خلال الأزمة المصرفية البلجيكية في 2008 و2009، ولكن هذه المرة كان هناك ذعر في الأسواق. وفي هذه الحالات، يجب أن تكون مهيأ ذهنيا للأسوأ ومستعدا لاتخاذ إجراءات جريئة. وعندما بدأت عملي في 2011، كان أول قرار واجهناه، في تموز (يوليو)، يتعلق بما إذا كان ينبغي رفع أسعار الفائدة. ولم أكن كبير الاقتصاديين آنذاك. ويمكنني القول الآن إنني كنت مؤيدا لهذا القرار.
وعلى الرغم من الأزمة المالية، ظل الاتجاه العام السائد آنذاك مؤيدا بشدة لتجنب آثار غير مباشرة محددة تتعلق بارتفاع أسعار النفط. وبلغ معدل التضخم آنذاك نحو 3 في المائة، وكانت هناك بعض الضغوط على الأجور. غير أن ذلك يمثل جزءا من القصة.
أما الجزء الآخر من القصة فقد تمثل في متابعة الأزمة المالية، وكانت لدينا توترات في أسواق الديون السيادية في ذلك الوقت أيضا. وأصبح الموقف في 2011 أكثر تقييدا بعض الشيء. وتم رفع أسعار الفائدة لأول مرة في الربيع، ثم تم رفعها للمرة الثانية في تموز (يوليو) عندما بدأت العمل. لكن الأزمة المالية كانت لا تزال تعد في ذلك الوقت أمرا يمكن التحكم فيه عن طريق تقديم قدر كبير من السيولة للقطاع المالي. والآن نعلم أن الأمور لم تمض على هذا النحو.
فقد كان الوضع مختلفا تماما آنذاك. ولذلك، بدأنا نتحدث عن إطار مختلف جذريا للسياسة النقدية، في ظل أوضاع كادت تصل إلى حد تراجع التضخم، أو أسوأ. وحول ما حجم التقدم الذي استطاع القادة الأوروبيون إنجازه فيما يتصل بخططهم لإنشاء اتحاد مصرفي، وجهاز موحد للرقابة في منطقة اليورو، وجدار واق للديون السيادية، أي آلية الاستقرار الأوروبية؟ ما الذي لم يتسن تحقيقه إلا عن طريق البنك المركزي الأوروبي؟ وهنا لم يستطع أحد إنهاء حالة الذعر في السوق في 2012 سوى ماريو دراجي. وبالطبع، جاء نجاحه في القيام “بكل ما يتطلبه الأمر” على خلفية اجتماع المجلس الأوروبي لرؤساء الدول والحكومات في حزيران (يونيو) بشأن وضع آليات إنشاء الاتحاد المصرفي وإدارة الأزمات. وكانت تلك هي الخلفية السياسية. وإقرارا بفضل ماريو، إذا أردت إنهاء حالة من الذعر، لا بد أن تتمتع بمهارات عالية في التواصل. ويجب أن تكون قادرا على إقناع الأسواق. وكان اختيار عبارة القيام “بكل ما يتطلبه الأمر” اختيارا موفقا… يتبع.