▪︎ مجلس نيوز
لم تدرج البنوك المركزية، ولا سيما في الدول المتقدمة، أسعار العقارات، خصوصا المساكن، ضمن دائرة مقاييس التضخم، فهذه البنوك تركز على دورها الأساسي، وهو الإشراف على السياسة المالية محليا ومتابعة متغيراتها وإجراءاتها، والسيطرة على التضخم، وتوفير الأدوات اللازمة لحماية الودائع.
كانت هذه هي الأسس، التي قامت عليها، ولم يتم تغييرها، والتغيير الوحيد، الذي حدث على صعيد البنوك المركزية في دول “اقتصاد السوق”، أن معظم الحكومات منحتها الاستقلالية في تحديد السياسات المالية دون أي تدخل سياسي من جانبها. وحتى هذا التحول يتعرض لانتقادات بالنظر إلى أن البنوك المركزية تتبع نظاما صار تقليديا في كل الأزمات، وهو خفض أسعار الفائدة، وطرح برامج التيسير النقدي، ويعد نظاما فيه كثير من الثغرات والسلبيات، التي تكبل الاقتصادات الوطنية.
في ظل الأزمات الاقتصادية تتعرض العقارات في الأسواق المفتوحة لمتغيرات وتقلبات متنوعة، فهي وإن تراجعت أسعارها خلال فترات هذه الصعوبات، إلا أنها تعود إلى الارتفاع بعد ذلك، وفي بعض المناطق تسجل مستويات لا يمكن أن يتحملها حتى أفراد الطبقة المتوسطة، كما حدث مثلا في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية، التي انفجرت في 2008. هذه الارتفاعات تتضارب مع مستويات التضخم، إلا أنها ليست مشمولة بنظرة البنوك المركزية، وإن لاقت أحيانا تفهما منها، غير أن هذا الفهم لا قيمة له، عندما تتراجع أعداد المواطنين المؤهلين لشراء المساكن. وفي بعض الدول، التي تشهد تقلبا كبيرا في الأسعار، تضطر شريحة من مالكي العقارات عندما تزيد قيمة الأقساط، التي يدفعونها عن قيمة الإيجارات، إلى التخلص من ملكياتها خلال الأزمات الاقتصادية، وبمجرد خروجهم من السوق يصعب عليهم العودة إليها.
بالطبع، هناك جهات عديدة لا ترغب في أن تدرج أسعار العقارات ضمن مقاييس التضخم، وهذه الجهات تهيمن على قطاعات واسعة من سوق العقارات وتشكل نفوذا وتكتلا. وحجة أولئك، الذين يريدون أن تبعد البنوك المركزية عن هذه السوق، أن مؤشر أسعار المستهلك يهدف إلى قياس الاستهلاك، في حين أن شراء منزل هو شراء أصل لا يتم استهلاكه بالطريق نفسه مثل بقية العناصر الاستهلاكية الأخرى.
الوكالات الإحصائية تدعم هذا التفسير، على اعتبار أن البنوك المركزية تستبعد التغيرات في قيمة الاستثمارات الأخرى، مثل الأسهم، أو السندات، أو العملات المشفرة، أو الذهب.
باختصار، لا يريدون أن تتم السيطرة بصورة أو بأخرى على أسعار العقارات، على الرغم من التأثيرات السلبية في شرائح واسعة من الناس، الذين يخرجون من السوق إلى الأبد، بسبب الارتفاع الكبير لأسعار هذه العقارات.
واللافت أن البنوك المركزية، التي تحدد أسعار الفائدة على المصارف التجارية، تسهم في التأثير المباشر في هذه السوق، فمعظم مالكي العقارات في الدول، التي تعتمد على اقتصاد السوق، لا يشترون عقاراتهم نقدا، وكلهم تقريبا يحصلون على القروض، ففي بلد مثل بريطانيا تكون معظم هذه القروض متغيرة الفائدة تبعا لما يحدده البنك المركزي في مراجعته الشهرية.
إذن، الأمر ليس سهلا، ويحتاج إلى أعوام لبلورته، وفق المعطيات على الأرض والواقع، فحتى لو تم حساب الإيجارات كمؤشر، فهناك اختلافات كبيرة بين هذه الإيجارات والأسعار الحقيقية للعقارات.
بالتأكيد هناك عدد من الدول وضع ما أصبح يعرف بـ”معادلة الإيجار” ضمن مقاييس التضخم، إلا أن هناك إجماعا على أن مثل هذه الحلول ليست مثالية ولا نموذجية، بل فيها ثغرات عديدة، وستشهد الأعوام المقبلة تحركا متصاعدا في هذا المجال، فالمسألة معقدة إلى درجة أن كريستين لاجارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي عدت أنها بعيدة عن الحسم في وقت قريب.
![](https://majlis-news.com/wp-content/uploads/2021/08/معادلة-العقارات-ومقاييس-التضخم-مجلس-نيوز.jpg)