▪︎ مجلس نيوز
استمرت وتيرة الاستحواذات والاندماجات الكبرى حول العالم، دون أن تتأثر بالأزمة الاقتصادية التي تسبب فيها فيروس كوفيد – 19 خلال الفترة الأخيرة، بل جاء بعضها مرتبطا بهذه الأزمة، مثل صفقة استحواذ شركة الأدوية البريطانية السويدية العملاقة أسترازينكا على “أليكسون فارما” الأمريكية، مقابل 39 مليار دولار. الاستحواذات والاندماجات تشمل جميع القطاعات حول العالم، ولا سيما في الأسواق المتقدمة، إلى جانب عدد منها في بعض الدول الناشئة الكبرى في آسيا، باستثناء تراجع صفقات الاستحواذ الصينية على شركات ألمانية.
إن هذا الحراك أوصل حجم صفقات الاندماج العالمية في ثمانية أشهر إلى ثلاثة تريليونات دولار، والمؤشرات كلها تدل على أن هذه القيمة سترتفع بصورة كبيرة بحلول نهاية هذا العام، مع ضرورة الإشارة إلى أن الأزمة الاقتصادية الناجمة عن وباء كورونا دفعت شركات متعددة في معظم القطاعات إلى بحث آفاق اندماجها، أو الاستحواذ عليها.
هذا التوجه أيضا وسع دائرة الأرباح بصورة تلقائية لقطاع مؤسسات المحاماة والاستشارات القانونية، وأنعش وضعها المالي تلقائيا من جراء هذه الصفقات، وألقى بظلاله على مؤشراتها المالية، والربحية، فصفقات الاندماج والاستحواذ وعقود البيع الكبرى تتطلب وجود مؤسسة قانونية لكلا الطرفين المتعاقدين، ليس فقط لإتمام صفقة ما، بل للكشف عن الأوضاع القانونية والمالية للشركة المعروضة للبيع أو الاندماج.
ودور هذا النوع من الاستشارات القانونية، يشمل أيضا البحث في أصول الجهات ذات الصلة، وفي تاريخ عملها، وتحولاته منذ التأسيس. والشركات القانونية هذه تنشط كما هو معروف في فترات الأزمات، وفي أزمنة الازدهار أيضا، فالأعمال القانونية والاستشارات تبقى ضرورية في كل حالة، بصرف النظر عن طبيعة الصفقات وحتى حجمها، ولذلك لا غرابة في أن قيمة صفقات المشورات القانونية بلغت أربعة تريليونات دولار خلال عام واحد، وهذا يشمل تجمعات رأس المال الخاص، والاكتتابات العامة التقنية في لندن، وأمستردام، والمحيط الهادئ.
وهنا لا بد أن نشير إلى أن صفقات الاستحواذ والاندماج تختلف من دولة إلى أخرى، فالمعروف أن الجهات الاستثمارية الصينية ركزت منذ عقدين تقريبا على عمليات الاستحواذ على شركات في أنحاء العالم، ولا سيما على الساحة الأوروبية، لكنها تراجعت في ألمانيا العام الماضي، على الرغم من أن مستثمرين صينيين استحوذوا على 11 شركة ألمانية، ومع ذلك كانت الوتيرة التي سبقت أزمة الجائحة العالمية أكبر من تلك التي سارت عليها العام الماضي.
وهذا العدد لا يتجاوز في الواقع صفقات الاستحواذ الصينية التي تمت منذ 2016 في هذه الدولة الأوروبية، لكن هذا النوع من الصفقات خطا بقوة أكبر في عدد آخر من الدول الأوروبية، علاوة على الاستحواذات المحلية على الساحة الأمريكية.
لكن يبدو أن التوجه والتحرك سيشهدان تطورات مختلفة في الأعوام القليلة المقبلة في هذا الميدان، فقد نمت شكوك حول الاستثمارات الصينية في أوروبا والولايات المتحدة، حتى إن إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، وضعت هذا الأمر على رأس أولويات المواجهة بينها وبين بكين.
وفي أوروبا، تنظر المفوضية الأوروبية بعين الشك أيضا، عبر مراجعة الاستثمارات الأجنبية المباشرة فيها، فالقوانين الخاصة بالاستحواذ والاندماج تزداد تشددا في أوروبا أكثر من أي منطقة أخرى، والمشرعون الأوروبيون يضعون مزيدا من القوانين الصارمة في هذا المجال.
لكن كل هذه الإجراءات لن تقلل كثيرا من حجم صفقات الاندماجات في المستقبل، بل ستضع قيودا جديدة عليها، الأمر الذي سيرفع قبل نهاية العام الحالي من قيمة هذه الصفقات، ويزيد معها عوائد بيوت ومكاتب المحاماة، والاستشارات القانونية الكبرى، حول العالم، خصوصا في العواصم الغربية الرئيسة، دون أن ننسى أن المصاعب الاقتصادية التي جلبتها الأزمة الراهنة، تدفع كثيرا من الحكومات إلى المرونة في هذا المجال، إنقاذا لمؤسسات لا أمل في الاستمرار بمفردها.