▪︎ مجلس نيوز
بدأت ذكريات موجة تفشي فيروس كورونا الثانية المدمرة في الانحسار ببطء، ولم تعد الجائحة تتصدر عناوين الأخبار، وأصبحت المراكز التجارية والمنتجعات الجبلية مزدحمة بالمتسوقين والسائحين.
كما عاد النشاط الاقتصادي تقريبا لمستويات ما قبل الجائحة، مثلما كان قبل الموجة الثانية في آذار (مارس) الماضي، وفي حقيقة الأمر، مثلما كان الأمر حين ذاك، يبدو أن كثيرا من الهنود يعتقدون أن أسوأ ما في الجائحة قد مضى.
ووفقا لوكالة “بلومبيرج” للأنباء، أشار الباحث الهندي ميهير شارما في تقرير نشرته أمس، إلى أن الهند لا تستطيع التيقن بالنسبة لكل هذا، فقد توقعت التقديرات الوبائية، التي تنبأت بالموجة الثانية، أن موجة أضعف أخرى ربما تضرب الهند هذا الشهر، والدولة ليست مستعدة لذلك على الإطلاق.
وأضاف أن جانبا مما يدفع إلى الثقة المفرطة يعود للطبيعة المدمرة لموجة التفشي الثانية، التي شهدتها الهند، فالتفشي الواسع النطاق للإصابات أدى إلى تعرض شريحة كبيرة من الهنود للفيروس، والذين بذلك يجب أن تكون لديهم حاليا درجة ما من المناعة.
وقال: “لكن الحقيقة البسيطة هى أننا ما زالنا لا نعلم ما يكفي عن الموجة الثانية لنطلق توقعات سهلة بشأن الموجة الثالثة، كل ما يمتلكه الهنود هو سلسلة من عمليات المسح، التي أجراها مجلس البحث الطبي توضح عدد الذين لديهم أجسام مضادة للفيروس”.
وأجرى المجلس أربع عمليات مسح من هذا النوع، شملت 29 ألف شخص في 700 قرية في 21 ولاية من ولايات الهند الـ28.
وأوضحت نتائج عملية المسح الرابعة، التي أجريت خلال شهري حزيران (يونيو) وتموز (يوليو) الماضيين أن ثلثي الهنود أصيبوا بالفيروس، وهو ما يمثل ارتفاعا عن الـ 24 في المائة، خلال شهري كانون أول (ديسمبر) وكانون الثاني (يناير) الماضيين.
وعلى الرغم من أن هذه نسبة كبيرة، إلا أن ذلك يعني أنه ما زال ليس لدى 400 مليون هندي أجسام مضادة، وربما تؤدي موجة ثالثة أو رابعة من التفشي لارتفاع حصيلة الوفيات بالفيروس بصورة كبيرة.
ويؤكد شارما ضرورة تعزيز أنظمة الرعاية الصحية المحلية قبل ارتفاع حالات الإصابة، وإلا ستتعرض الأنظمة بسهولة للضغط، فبدون معرفة من تضرر في الماضي، لن نستطيع معرفة أين ومن ربما يكون عرضة للخطر بصورة أكبر خلال الفترة المقبلة.
كما أن هناك برنامج التطعيم المتعثر، فقد أدى حظر على تصدير للقاحات المصنعة في الهند لأشهر إلى أن يعاني بقية العالم الناشئ لمواجهة خطر سلالة دلتا من الفيروس.
وأوضح أن ذلك لم يساعد الهند مطلقا، فقد حاولت الحكومة الضغط على الشركات المصنعة للقاحات من أجل توفير جرعات اللقاح بتكلفة رخيصة، ومن أجل ضمان إمكانية استثمار الشركات في مزيد من الإنتاجية، سمحت الحكومة للشركات ببيع اللقاحات للقطاع الخاص بأسعار أعلى.
وربما كان من الممكن أن تنجح هذه الاستراتيجية لو كان لدى قطاع الرعاية الصحية الخاص أي حافز لتعزيز نظام توزيع اللقاح، وبدلا من ذلك، قيدت الحكومة من هوامش المستشفيات، بحيث أصبحت الشركات الأكبر فقط في القطاع الخاص هي المهتمة بالأمر، كما تشكو حكومات الولايات باستمرار من عدم حصولها على لقاحات كافية لتوزيعها بنفسها.
وتمثل إمدادات اللقاحات مشكلة أخرى، حيث يبدو أن اللقاحات، التي تستند إلى الحمض النووي الريبوري، إم آر إن ايه مثل فايزر وموديرنا أكثر فعالية ضد سلالة دلتا مقارنة باللقاحات الأخرى. ولكن الحكومة تجاهلت في البداية لقاح فايزر، وبعد ذلك ساومت الشركة بشأن بنود حول التعويضات، وقعتها بالفعل معظم الدول الأخرى منذ أشهر.
وهذا يعني أن الهند لم تقبل أي من الـ110 ملايين جرعة، التي شحنتها الولايات المتحدة الأمريكية للدول الناشئة.
كما جرى تعليق ملايين الجرعات من لقاح موديرنا الموجهة للهند في تموز (يوليو) الماضي، ويذكر أنه عندما التقى المسؤولون الهنود والأمريكيون منذ أشهر، أعلنوا خططا لتمويل تصنيع لقاح جونسون آند جونسون في الهند. ولم يتم إحراز تقدم واضح منذ ذلك الحين.
واختتم شارما تقريره بأن الدرس المهم المستخلص من الموجة الثانية، عندما تضافرت جهود العالم لإرسال الأكسجين والأدوية للهند، هو أنه لا تستطيع أي دولة، حتى لو كانت كبيرة مثل الهند، أن تتعامل مع الجائحة بمفردها، وأن بطء جهود التطعيم في الهند وتجدد الضعف أمام فيروس كورونا هما ثمن هذا الإخفاق الذي يجب أن نتعلمه.
واستمر انكماش نمو النشاط الاقتصادي لقطاع الخدمات في الهند خلال الشهر الماضي بوتيرة أقل من الشهر السابق، بحسب ما أظهره تقرير اقتصادي نشر أخيرا.
وارتفع مؤشر “آي.إتش.إس ماركيت” لمديري مشتريات قطاع الخدمات خلال تموز (يوليو) الماضي إلى 45.4 نقطة، مقابل 41.2 نقطة خلال حزيران (يونيو) الماضي، ليستمر المؤشر أقل من مستوى 50 نقطة.
يذكر أن قراءة المؤشر أكثر من 50 نقطة تشير إلى نمو النشاط الاقتصادي للقطاع، في حين تشير قراءة أقل من 50 نقطة إلى انكماش النشاط.
وأبقى أداء قطاع الخدمات، الذي يمثل أكثر من نصف إجمالي الناتج المحلي للهند على المؤشر المجمع لمديري المشتريات أقل من 50 نقطة الشهر الماضي، مسجلا 49.2 نقطة، بحسب وكالة “بلومبيرج” للأنباء.
وكان مؤشر مديري مشتريات قطاع التصنيع في الهند، الصادر الأسبوع الماضي، بمنزلة نقطة الضوء الوحيدة، حيث ارتفع المؤشر إلى أكثر من 50 نقطة خلال الشهر الماضي.
وقالت “بلومبيرج” إن البيانات الأخيرة تعزز الشكوك في قدرة الاقتصاد الهندي على مواصلة التعافي في ظل استمرار تفشي فيروس كورونا المستجد في بعض أجزاء البلاد.