▪︎ مجلس نيوز
يُواجِهُ المخترع الخليجي تحدياتٍ كثيرةٍ، ومنها صعوبة تحقيق معايير التسجيل لبراءات الاختراع في ظلِّ التركيز العالي والمُتَسَارِع من المخترعين على مستوى العالم.
لكن التحدِّي الأكبر للمخترع الخليجي بعد حصوله على البراءة، هو قدرته على استغلالها مالياً بالشكل الذي يُعطيه حقَّه، ذلك في ظلِّ تعامل المخترع مع جهاتٍ استثماريةٍ ذات مكانةٍ سوقيةٍ ومركزٍ ماليٍّ كبيرٍ، تلك الجهات التي قد تسعى لاستغلال المخترع عبر شروطٍ غير عادلةٍ.
فالمخترع، قد لا يستطيع استغلال اختراعه ضمن إطار التشغيل الصناعي، بسبب ضعف الإمكانيات أو الخبرات، لذا، قد يعطي المخترع الترخيص لمؤسَّسةٍ صناعيةٍ بحقِّ استغلال الاختراع.
وفي الواقع، تبقى هذه المؤسَّسة جهةً استثماريةً تُفكِّر بالربح بالدرجة الأولى، في الوقت الذي قد يكون فيه المخترع ضعيف الخبرة في مجال العقود وفي حاجةٍ ماسَّةٍ لمردودٍ ماليٍّ، وهكذا قد يقبل المخترع ببعض الشروط الجائرة عليه.
من هذه النقطة بالذات تنطلق الأنظمة، حيث يكون من أهمِّ الغايات التنظيمية إحاطة المخترع بهالةٍ من الحماية في مواجهة المؤسَّسة الصناعية التي ينتقل إليها حقُّ استغلال الاختراع.
وفي هذه النقطة يتعارض اعتباران:
حرية التعاقد؛ حيث إنَّ طرفا التعاقد في عقد نقل الترخيص باستغلال الاختراع، هما بكامل أهليَّتهما، ولا يجوز من حيث المبدأ التدخُّل في شروط التعاقد بينهما.
كما أنَّ التوجُّه نحو تحفيز الاستثمار يستَرعِي تكريس مبدأ حرية التعاقد؛ لأنَّ المستثمر يخشى على أمواله من الضياع بسبب الحماية القانونية المُبالَغ فيها للمخترعين.
حماية الطرف الضعيف في العقد؛ وهي الغاية التي تُبِيحُ للمنظِّم أن يتدخَّل في حرية التعاقد بين الأطراف، إذا كان أحدهما ضعيفٌ بشكلٍ ظاهرٍ، ويملك ميزاتٍ إبداعيةٍ تجعله مَطمَعاً للطرف القوي.
تدعم فكرة حماية الطرف الضعيف، مُجتمع المخترعين، وتحيطهم بالحماية، الأمر الذي يشجعهم على تسجيل اختراعاتهم في بلدانهم، والبدء بإجراءات استغلالها مالياً أو الترخيص لمؤسَّساتٍ صناعيةٍ مُحتَرِفَةٍ بهذا الاستغلال.
وقد اختار نظام براءات الاختراع الخليجي المُوحَّد الخيار الثاني، حيث اتَّجه نحو دعم المخترعين، وأكَّد على ذلك في آخر تعديل صادر في عام 2021.
ويمكن تحديد أهم التعديلات الجديدة التي تصبُّ في خانة حماية المخترعين، كما يلي:
*اشتراط الكتابة والتوقيع والتوثيق الرسمي للاعتداد بعقد نقل الترخيص من المخترع إلى الجهة المرخَّص لها (م/17-1) كالمؤسَّسات الصناعية، وهذا يُعتَبر ضمانة لحقوق المخترع من إمكانية تجاهل المؤسَّسة لحقوقه إذا كان العقد غير مكتوبٍ وموثَّقٍ.
*السماح للمخترع بالاستغلال الشخصي للاختراع بعد الترخيص بالاستغلال (م/17-2)، وهذا يعني أنَّ الترخيص بالاستغلال ليس بتنازلٍ كاملٍ عن الحقِّ في الاستغلال، بل هو ترخيصٌ يمكن أن يَتَرافَق مع استغلال المخترع شخصياً لاختراعه. لكن يجوز أن ينصَّ العقد على حرمان المخترع من هذا الحق.
*السماح للمخترع بالترخيص بالاستغلال لجهةٍ ثانيةٍ بعد عقد الترخيص الأول (م/17-2)، وبهذه الطريقة يستطيع المخترع تحصيل أكبر قدرٍ ممكنٍ من الثمار المالية لاختراعه. ويجوز أن ينصَّ عقد الترخيص الأول على حصرية الاستغلال للجهة المُرَخَّص لها.
*حرمان الجهة المُرَخَّص لها باستغلال الاختراع من التنازل عن حقها إلى جهة أخرى إلاَّ إذا نصَّ العقد على إمكانية هذا التنازل (م/17-3)، حيث لا يجوز للمؤسَّسة الصناعية أن تتنازل عن ترخيصها لمؤسَّسة أخرى مثلاً، وهذا يصبُّ في خانة منع المضاربات على حقوق استغلال الاختراع، وإتاحة المجال للمخترع حتى يحصد الثمار المالية الآتية من ارتفاع حقوق الاستغلال.
ويمكننا تحديد نقطة هامة من تحليل هذه القواعد: أنَّه باستثناء كتابة وتوثيق العقد، فإنَّ القواعد السابقة هي قواعدٌ تكميليةٌ يجوز مخالفَتُهَا إذا نصَّ العقد على ما يُخالِفُهَا، وهذا يُعيدُنَا للحديث عن كون المخترع هو الطرف الضعيف في عقد الترخيص باستغلال الاختراع، وأنَّه سيَقْبل بإسقاط جميع الضمانات غير الملزمة المذكورة في القانون.
ومن وجهة نظرٍ شخصيةٍ، يبدو أنَّ ترك المجال للاتِّفاق على إمكانية الاستغلال الشخصي أو إعادة الترخيص بالاستغلال مرةً ثانيةً هو أمرٌ واقعيٌّ؛ لأنَّ من حقِّ المؤسَّسة الصناعية أن تضمن عدم منافَسَتِهَا على ذات المنتجات المُصنَّعَة اعتماداً على استغلال الاختراع.
أمَّا فيما يخصُّ مسألة تنازل المؤسَّسة المُرَخَّص لها عن حقِّها باستغلال الاختراع لجهةٍ أخرى، فيبدو أنَّه من الأفضل حظر هذا التنازل بشكلٍ تامٍّ بموجب قاعدةٍ مُلْزِمَةٍ، لأنَّ انتقال الحقِّ بالاستغلال من مؤسَّسة إلى أخرى سيَفتحُ المجال للمضاربات على الاختراعات، وهو ما سيجعل من سعر التنازل مُبالَغَاً فيه مع تداول الاختراع، وهذا يضرُّ بالصناعة الوطنية.