▪︎ مجلس نيوز
شكل كوفيد – 19 محطة كبرى في مسيرة الكون، فهل يصنع يقظة كبرى في مسيرته الحضارية ويشكل بآثاره غير المسبوقة مفصل وعي عميق جدا؟.
هل نعي أننا نعيش في كوكب واحد ومصيرنا واحد رغم الفوارق وتباين القوى العسكرية والاقتصادية والعلمية بين الدول؟، ومع ذلك لم يفرق هذا الفيروس بين دولة وأخرى وعامل الجميع بالعدل، بل كان بمنزلة امتحان عادل للجميع برعت فيه دول لم تكن ضمن الدول الخمس الكبرى، والمملكة خير مثال إيجابي على ذلك.
هنا وفي تصور عقلاني دعونا نتحاور بفكر العقل الراقي الذي يسكن هذا الكون الذي برع في العقود الخمسة الماضية أن يرتقي بالعلوم والمكتشفات والتطور التقني درجات ومسافات هائلة جدا، مقارنة بما حققه أسلافه في القرون الماضية، بل نستطيع القول، إن هذا الإنسان الذي يسكن هذا الكون اليوم استطاع أن يصل إلى محطة مفصلية في مسيرة تطوره.
حتى نكون دقيقين في تحديدنا علينا أن ندرك أن الإنسان أو النخبة الذين أوصلونا لهذا التطور هم طبقة العلماء والعاملين وهم طبقة أخرى تختلف عمن يسير دفة هذا العالم وهم أباطرة المال والسياسة والإعلام، وبمرور الزمن تتعاقب وبشكل مختلف مثل هذه النخب على قيادة الكون، واليوم تتشكل على سطح هذا الكون قوى غير مسبوقة في سيطرتها على المعلومات وتدفقها الذي يشكل علما وقوة ناعمة وهائلة في سبر أغوار التفاصيل الدقيقة عن هذا الكون وعن البشرية جمعاء التي تسكن هذا الكوكب، بل إن تلك النخب أو بالأصح ذلك الإنسان من تلك النخب استطاع أن يجانس ويزاوج وينسق ويجمع بين مجموعة من المسارات التي تشكل أهم أعصاب الحياة، وهي العلم والتكنولوجيا والاقتصاد، والإعلام، وبذلك أصبح الطريق ممهدا لمن يتقن ويملك تلك القوة، أن يتمكن من السيطرة والابتكار واستشراف المستقبل. بل أصبح بعض جهابذة التكنولوجيا يفتون في هذا الفيروس ومشتقاته أكثر من العلماء والأطباء المختصين بعلم الفيروسات.
فجأة ومن دون أي مقدمات جاءت رسالة من السماء مختومة باسم كوفيد – 19، هذه الرسالة تحمل معنى عميقا جدا خلاصتها أنه مهما بلغنا من العلم والمعرفة، فإن هناك سننا كونية ربانية إذا حدنا عنها فقدنا الطريق الصحيح للاستمرار.
إن العالم اليوم، بشكل عام، على نصفين: القوي المستعمر والضعيف المسيطر عليه، بل والمنهوب الموارد والسيادة، وفي الوقت نفسه يشكل الأول مصدر العلم والتقنية والحضارة، بل والتسلية والسياحة ويصنع من ورق مزيف مثلا إنسانية وقيما ومراكز جمال، هي في الوقت ذاته تعيق تقدم ورقي النصف الثاني بشكل أو بآخر. إننا نعيش هذا التناقض في أذهاننا متى ما أدركنا هذه الحقيقة، وبالتالي كيف نصوغ مفهومنا عنه؟.
هل نستطيع تعديل مسارنا بعد وصولنا إلى هذا الزخم من المعلومات والعلم، أم هناك قيود قد لا يدركها البعض؟.
وتجسيدا لما ذكر أعلاه فإننا نسمع دائما القول، إننا وصلنا في كوكبنا هذا درجة عالية من الرقي العلمي والحضاري، وهذا مفهوم من المفاهيم الخاطئة التي نؤمن ببعضها، فقد اتفق أننا وصلنا في العلم إلى تلك الدرجة، أما أننا وصلنا في إنسانيتنا إلى الرقي الإنساني الذي فطر الإنسان عليه، فهذا ما لا أتفق فيه، فكيف يتفق التحضر ولدينا من يموت من الجوع من أطفال العالم، ولدينا شعوب تباد وتهجر وأخرى يتم اغتصاب أراضيها، بل وننفق على تصنيع ما يدمر هذا الكون أكثر مما ننفق عليه في مجالات التعمير المختلفة من طعام وعلم وأبحاث طبية واجتماعية كفيلة بقهر الجهل والفقر في هذا العالم، خاصة أن الإنسان وصل بنفسه إلى مرحلة من مراحل ما يسمى (الوفرة الذهنية) التي استطاع بموجبها مضاعفة جهده الجسماني في مجالات متعددة إلى أضعاف ما يستطيع القيام به من خلال الميكنة في التصنيع والخوارزميات في الذكاء الاصطناعي.
وسط كل هذه العلوم، فإننا على النقيض نصنع ما يدمرها في ثوان، وصحيح أن ذلك مستبعد، وإنما تكمن الخطورة في أنها جاهزة للاستعمال في أي لحظة، وهنا مكمن الخطر العظيم الذي ننام معه دون أن نعي خطورة أن وجوده خطر عظيم جدا بحد ذاته.
باستعراض بسيط لما يملك الكون من أسلحة الدمار الشامل نجد أن تسع دول فقط تمتلك أسلحة نووية تعادل إجمالي قوة تفجيرية بقدر 160 (مائة وستين) مليار طن من المتفجرات من مادة، تي إن تي، وهذا يوازي 23 طنا من هذه المادة شديدة الانفجار لكل إنسان على هذا الكوكب المتحضر؟.
اليوم العالم كله تقريبا يتشكل من جديد وتبعا لذلك تتشكل موازين القوى العسكرية والاقتصادية والسياسية، وأتمنى في خضم هذا التطور أن نجد الضمير الإنساني الراقي يرتقي إلى مستوى المعنى الحقيقي للتحضر، ذلك التحضر الذي يعني التحرر من العقلية الاستعمارية ومن الرأسمالية المتوحشة التي دينها المادة والبراجماتية البغيضة.
عليه دعوني أختم بالقول، صحيح أنني أحلم بقرية كونية يعمها السلام وأشارك تلك الفتاة السمراء التي لفتت الأنظار بقصيدتها التي ألقتها في حفل تنصيب الرئيس الأمريكي جو بايدن، وهي ترى أن تلك الدولة كفلت هذه الفتاة الفقيرة وأوصلتها إلى أن تتخرج من جامعة هارفرد وتسرق الأضواء في تلك المناسبة بحسب ما ذكرت صحيفة “الجارديان” البريطانية، وسلطت الضوء على أهمية الحلم الأمريكي ليستمر رافدا وملتزما بكل الثقافات والأعراق والأجناس، فإنني هنا إنما أشاركها هذا الحلم على مستوى الكون والقرية الصغيرة الجميلة التي نعيش فيها، وليس فقط على مستوى أمريكا. وهنا دعوني أردد وأختم بقصيدة الشابة السمراء الأمريكية “أماندا جوردان” Amanda Gordan التل الذي نصعده The hill we Climb التي ألقتها في حفل تنصيب الرئيس الأمريكي جو بايدن:
وأردد معها :
لأننا أبناء هذه البلاد
في زمن تستطيع فتاة نحيلة،
انحدرت من أصلاب العبيد،
ورثتها أم وحيدة تخلى عنها زوجها،
أن تحلم بأن تصبح رئيسة الجمهورية،
فيأخذها الحلم لتلقي قصيدتها أمام رئيس الجمهورية،
نعم أعترف لسنا متحضرين بما فيه الكفاية،
ولسنا أغنياء بشكل مثالي،
ولا يعني هذا أننا نسعى لصياغة اتحاد كامل،
إننا نسعى لابتكار اتحاد له أهداف: أن يؤسس بلدا،
ملتزما بكل الثقافات والألوان والأعراق والأشخاص وبالوضع الإنساني،
كي نرفع أعيننا ونحدق
لا فيما يفرقنا، وإنما إلى مستقبل ننشده،
سننهي الانشقاقات،
لأننا ندرك أن نجعل المستقبل هدفنا الأول.