▪︎ مجلس نيوز
يواصل التعافي الاقتصادي العالمي مساره، ولكن في ظل فجوة متزايدة بين الاقتصادات المتقدمة وبين كثير من اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية. ولا يوجد تغيير في أحدث تنبؤاتنا للنمو العالمي التي تشير إلى بلوغه 6 في المائة في 2021 عما جاء في توقعاتنا السابقة، ولكن ما تغير هو مكونات هذا النمو.
فقد تحسن النمو المتوقع للاقتصادات المتقدمة هذا العام بنسبة 0.5 نقطة مئوية، ولكن، في المقابل، حدث تخفيض مواز في توقعات النمو لاقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية بسبب التخفيض الكبير للتوقعات المتعلقة بآسيا الصاعدة. وبالنسبة لـ2022، نتوقع أن يبلغ النمو العالمي 4.9 في المائة، صعودا من 4.4 في المائة في التنبؤات السابقة. ولكن، هنا أيضا، يرجع الارتفاع إلى زيادة كبيرة في التوقعات الخاصة بالاقتصادات المتقدمة، وزيادة أكثر تواضعا لاقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية.
وتشير تقديراتنا إلى أن الجائحة خفضت نصيب الفرد من الدخل بمقدار 2.8 في المائة سنويا في الاقتصادات المتقدمة، نسبة إلى اتجاهات ما قبل الجائحة في الفترة 2020 – 2022، في مقابل خسارة سنوية في نصيب الفرد من الدخل بمقدار 6.3 في المائة سنويا في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية (باستثناء الصين).
وتعكس هذه التعديلات بدرجة مهمة الفروق في تطورات الجائحة مع وصول المتحور دلتا إلى صدارة السلالات المسببة للإصابات. وقد حصل نحو 40 في المائة من السكان في الاقتصادات المتقدمة على التطعيم الكامل، مقارنة بنسبة 11في المائة في اقتصادات الأسواق الصاعدة، ونسبة ضئيلة في الدول النامية منخفضة الدخل. وأدت معدلات التطعيم الأسرع من المتوقع وعودة الأوضاع الطبيعية إلى رفع التوقعات، بينما أدى عدم توافر اللقاحات وعودة موجات الإصابة بفيروس كوفيد – 19 في بعض الدول، ومن أبرزها الهند، إلى تخفيض التوقعات.وتمثل التفاوتات في الدعم المقدم من السياسات المصدر الثاني للهوة التي تزداد عمقا. فنحن نرى الدعم الكبير والمستمر الذي تقدمه الاقتصادات المتقدمة من ماليتها العامة، حيث أعلنت توافر 4.6 تريليون دولار لتمويل تدابير متعلقة بالجائحة في 2021 وما بعده. وتأتي معظم الزيادة في توقعات النمو العالمي لـ 2022 انعكاسا للدعم المالي الإضافي المنتظر تقديمه في الولايات المتحدة والتمويل المقدم من خلال “خطة الجيل المقبل للاتحاد الأوروبي”.
من ناحية أخرى، انتهت في 2020 المدة المقررة لمعظم التدابير التي اتخذتها اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، وهي تنظر الآن في إعادة بناء هوامش الأمان في ماليتها العامة. وبدأت أيضا بعض الأسواق الصاعدة؛ كالبرازيل وهنجاريا والمكسيك وروسيا وتركيا في رفع سعر فائدة سياستها النقدية لدرء الضغوط الرافعة للأسعار. واستفادت الدول المصدرة للسلع الأولية من ارتفاع أسعار هذه السلع عن المستويات المتوقعة.
وحول بواعث القلق إزاء التضخم تمثل تداعيات ما بعد الصدمة الناجمة عن اضطرابات العام الماضي تحديات فريدة على صعيد السياسات. فالطلب المكبوح واختناقات سلاسل الإمداد يفرضان ضغوطا رافعة للأسعار. ومع ذلك، فمن المتوقع أن يتراجع التضخم في معظم الاقتصادات المتقدمة ليصل إلى نطاقات ما قبل الجائحة في 2022، وذلك للأسباب التالية:
أولا، هناك نسبة كبيرة من قراءات التضخم المفرطة في الارتفاع ترجع إلى عوامل مؤقتة تتعلق بالقطاعات المتأثرة بالجائحة؛ كالسفر والضيافة، وإلى المقارنة بقراءات العام الماضي المفرطة في الانخفاض كتلك المتعلقة بأسعار السلع الأولية.
ثانيا، لا تزال المعدلات الكلية لتشغيل العمالة دون مستويات ما قبل الأزمة في معظم الدول، وبينما حدث نمو سريع في الأجور في بعض القطاعات، يظل النمو الكلي للأجور ضمن نطاقات طبيعية. ومع تحسن التدابير الصحية وانتهاء المدة المقررة للتدابير الاستثنائية المتخذة لدعم الدخل، من المتوقع أن تنحسر مصاعب التشغيل التي تشهدها قطاعات معينة، وأن تقل ضغوط الأجور.
ثالثا، لا تزال توقعات التضخم طويلة المدى (التي تقيسها المسوح والمقاييس القائمة على السوق) ثابتة تماما، كما يرجح أن يزداد بروز العوامل التي خفضت حساسية الأسعار تجاه التغيرات في ركود سوق العمل، مثل الأتمتة، حتى نهاية الجائحة… يتبع.