▪︎ مجلس نيوز
يبدو أن شركات التكنولوجيا، وعلى رأسها تطبيق “كلوب هاوس” الذي يعرض اليوم بيانات مستخدميه للبيع، قد تغولت، ولم تعد تحفل بحدود الجغرافيا، فالافتراض أرضها المفضلة التي لا حدود لها، ومستخدموه “مواطنوها” بالدرجة الأولى، وإن لم يحملوا جنسيتها. أما تغولها فيذكرنا بمصارف الرأسمالية المتوحشة، بل وأسوأ.
جمع البيانات الشخصية هو ما يعني هذه الشركات، وهو ما تقوم عليه أيضا، وليس ما يظهر منها من تواصل اجتماعي أو برمجيات ورقائق إلكترونية، حيث تسليع “البيانات” و”المعلومات” وتصنيفها وبيعها هو المنتج الأساسي.
لتثير هذه المخاوف التي أثارها أخيرا تصرف تطبيق “كلوب هاوس” السيئ الذكر ما هو أبعد وأعمق من ذلك، في وقت بات من المرعب فيه بالنسبة إلى المواطن أن يكون هنالك من يجمع بياناته ويقرر تبعا لذلك رغباته وميوله الشخصية، بحيث تصبح بياناتنا الصحية واهتماماتنا الثقافية وعاداتنا الاجتماعية سلعة يتم تداولها في سوق سوداء لا نعلم عنها شيئا.
نحن أمام وفرة معلوماتية مستقبلية حقيقية ومغايرة لما كنا عليه، وأمام مفاهيم جديدة تماما للسرية والخصوصية، بدأت في التشكل منذ الآن فيما يتعلق مبدئيا بوثائق سياسية ودبلوماسية، لكن المخيف فعلا أن تتطور لتشمل أنواعا أخرى من المعلومات السرية “تجارية.. اقتصادية.. علمية” وأنواعا أخرى أيضا من المستهدفين، ليس حكومات وبيانات شعوب فقط بل مراكز أبحاث وشركات ومصانع كبرى أمام منافسيها أو مستثمريها، وهذا الأمر سيلقي بظلاله حتما وبشكل مخيف على حياتنا وتعاملاتنا الاجتماعية الخاصة والعامة كأفراد وحكومات وشركات، طالما علمنا سلفا وبما لا يدع مجالا للشك بأنه أصبح لأسرارنا وبياناتنا قيمة إعلامية وثمن مادي، وبأن هناك من هو راغب في بيع أسرارنا وبأن هناك أيضا من هو قادر عاجلا وليس آجلا على “شراء أسرارنا” بل ونشرها للعلن.
وبما أن طبيعتنا البشرية كأفراد وكمجتمعات، تحتم وجود الخصوصية واستمرارها، فهذا يلغي فرضية الشفافية المطلقة التي ينادي بها ويدعيها أصحاب الموقع، وبالتالي فرضية عدم الحاجة إلى وجود خصوصية مطلقا بشقيها السيئ والجيد، لكنه يحفز في الوقت ذاته وجود أسواق لبيع ومقايضة البيانات علنا ولمن يريد، بعد أن كانت أسواق البيانات سوداء فقط تدار في الخفاء ولمصلحة أطراف مستفيدة معدودة جدا ومحددة.
السيناريو السابق المتعلق بأسواق البيانات سيناريو مستقبلي، يصبح واقعا في حال استمرار إفشاء الأسرار وبيعها في الخفاء والعلن، دون ضوابط أو نظام واضح تسنه الدولة وتسير عليه الشركات والمواقع المعنية، مثل “كلوب هاوس” وغيره من التطبيقات، التي لا تراعي خصوصية مستخدميها، طمعا في المال والانتشار، وإن كان ذلك على حساب الأمن والقيم التي تؤطر المجتمعات وتعزز من تماسكها.