▪︎ مجلس نيوز
دون معرفة المشكلات والمعوقات التي تواجهها البنوك المركزية إزاء تفاقم قضية معدلات التضخم وتفاقمها، لا يسع المرء إلا أن يخمن ما إذا كان النمو النقدي القوي يعكس المدخرات الاحتياطية بسبب زيادة عدم المساواة، أو الصدمات المالية النقدية التضخمية، أو مزيج من الاثنين معا. تثير هذه المسألة مشكلة خاصة في عالم تقوم فيه البنوك المركزية بتوسيع قاعدة الأموال بشكل كبير عن طريق شراء الأصول بأسعار مرتفعة من مجموعة صغيرة من المستثمرين الأثرياء والمستفيدين نسبيا.
تلعب التوقعات دورا رئيسا في التنبؤ بالتضخم المستقبلي، ويبدو أن هذه التوقعات مثبتة بقوة عند مستويات منخفضة. ولكن ماذا لو بدأت هذه التوقعات، بعد أعوام طويلة من التضخم المنخفض للغاية، تتحول اليوم إلى سلبية أكثر من كونها إيجابية؟ ونظرا إلى أن الخوف من ارتفاع معدلات التضخم قد اختفى من تصورات معظم الناس، فقد يكون من المفهوم أن الزيادات الأخيرة في الأسعار ستعد مؤقتة. ومع ذلك، نظرا إلى أن السياسات النقدية تميل إلى أن تتسم بفارق زمني طويل ومتغير، فمن المجازفة الانتظار إلى أن يترسخ التضخم المرتفع بالفعل قبل البدء بخفض التيسير الكمي أو رفع أسعار الفائدة.
بعد كل شيء، ما المصداقية التي ستتمتع بها البنوك المركزية إذا كانت توقعات التضخم بعيدة عن الواقع؟ في بيئة تتسم بعدم اليقين الشديد، يعد الاعتماد إلى حد كبير على استقرار توقعات التضخم على المدى الطويل رهانا محفوفا بالمخاطر. في أوقات تحول النظام، تكون درجة عدم اليقين مرتفعة، ما يجعل من المستحيل تكوين توقعات منطقية.
بصرف النظر عن النمو النقدي القوي، فإن مستويات الديون العامة والخاصة المرتفعة بشكل غير عادي اليوم تشكل خطرا هائلا. تعتمد استدامة المالية العامة في البلدان المثقلة بالديون على أرضية غير مستقرة، وهي معرضة بشدة للصدمات التي قد تأتي من مصادر اقتصادية أو جيوسياسية متعددة.
أنا لا أتوقع العودة الحتمية للتضخم المرتفع. ومع ذلك، أشعر بالقلق إزاء النمو النقدي القوي والعوامل التي تحدده، بدءا من عمليات الشراء الضخمة للسندات الحكومية من جانب البنوك المركزية. تبدو البنوك المركزية متفائلة للغاية بشأن هذا الخطر. كما أنها تتجاهل حالة عدم اليقين المتزايدة في البيئة الحالية، ليس أقلها إصدار توجيهات مستقبلية تبشر بالاستمرار الطويل إلى حد ما لمعدلات السياسة المنخفضة للغاية وعمليات شراء الأصول المرتفعة.
في منطقة اليورو، بدأ بعض المراقبين بالتنبؤ ليس بالتضخم، بل بنوع من “الأزمات الاقتصادية المستمدة من الأحداث التي أدت إلى العقدين الضائعين من اقتصاد اليابان”: انخفاض معدلات التضخم وأسعار الفائدة، وارتفاع العجز العام، وزيادة الهيمنة المالية. ومع ذلك، نظرا إلى الزيادة في عدم المساواة في الثروة واحتمال أن يفقد المستثمرون الماليون الثقة باستدامة المالية العامة في نهاية المطاف، فمن غير الواضح ما إذا كانت مثل هذه الظروف ستكون مستدامة من الناحية السياسية. والأمر الوحيد المؤكد هو، أنه لا يمكن استبعاد حدوث انهيار مالي أو طفرة تضخمية.
خاص بـ “الاقتصادية”
بروجيكت سنديكيت، 2021.