▪︎ مجلس نيوز
تكسر أصوات أشخاص يبكون وهم يودعون أحباءهم الصمت في مطار هونج كونج المهجور تقريبا، مع مغادرة سكان المدينة القلقين على مستقبلهم، وذلك لبدء حياة جديدة في دول أخرى أبرزها بريطانيا.
وبحسب “الفرنسية”، في الأغلب ما تقلع الطائرات المتجهة إلى لندن في فترة ما بعد الظهر أو في وقت متأخر مساء. ومع زحمة المسافرين، يبدو المطار لفترة وجيزة كما لو أنه استعاد إيقاعه الاعتيادي ما قبل تفشي وباء كورونا.
تكتظ الباحة أمام مكاتب التسجيل بمسافرين تخيم ملامح الحزن على وجوههم بعد فراق أحبائهم، وينهمكون في حمل ما تسمح به بطاقات سفرهم من حقائب وحاجيات. تحمل إحدى العائلات معها قدرها المفضل لإعداد الأرز بينما تزودت عائلة أخرى بعبوات من نودلز القريدس.
بينما يستغل آخرون وقت الانتظار لالتقاط صورة تذكارية أخيرة. وتوزع مسنة على أحفادها المسافرين مغلفات حمراء لجلب الحظ تحوي نقودا.
وتنهمر دموع أغلبية المسافرين بعد معانقة أخيرة قبل التوجه إلى بوابات المغادرة، ولا يتمكن كثيرون منهم من كتم بكائهم حتى اختفائهم عن الأنظار.
يروي هانسون (43 عاما) العامل في مجال الإعلام، بينما يحمل جواز سفره البريطاني لما وراء البحار كيف بدأ يخطط للسفر منذ أن شاهد عناصر الشرطة يتعرضون بالضرب لمتظاهرين سلميين في محطة قطار قبل عامين.
ويقول بتأثر “إنه تغيير كبير بالنسبة إلي، أن أترك وظيفتي وأبدأ من جديد” مضيفا “سأفتقد هونج كونج كثيرا، لكن الوضع تدهور بسرعة كبيرة، لذا علي أن أرحل”.
لا توفر حكومة هونج كونج إحصاءات حول عدد السكان الذين يغادرون بانتظام، لكن أدلة متلاحقة تظهر أن ثمة هجرة جماعية حاليا. ووفقا لأرقام دائرة الهجرة، ارتفع تدفق السكان تدريجيا مع تقدم العام، وازداد بشكل لافت في الأسابيع الأخيرة.
ورغم تفشي الوباء الذي يخنق حركة السفر، يغادر نحو 1500 شخص المدينة يوميا كمعدل وسطي منذ مطلع الشهر الحالي، مقارنة بـ800 في النصف الأول من العام.
ويستفيد كثيرون من سماح بريطانيا، القوة المستعمرة سابقا لهونج كونج، لمن يحملون جوازات السفر البريطانية لما وراء البحار وأقاربهم بدخول أراضيها والاستقرار فيها.
وتتوقع بريطانيا أن ينتقل نحو 300 ألف من سكان هونج كونج إلى أراضيها خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، بينهم ما يصل إلى 150 ألفا خلال هذا العام وحده، وهو معدل مغادرة أعلى بكثير من الأعوام التي سبقت ضم المدينة إلى الصين عام 1997.
وتقدر لندن أن تحقق عملية الانتقال هذه “فوائد صافية” تتجاوز أربعة مليارات دولار.
وارتفعت أخيرا طلبات الحصول على جوازات السفر، بينما وصلت عمليات السحب من صندوق التقاعد الإلزامي في المدينة إلى مستويات قياسية.
تتجاهل حكومة هونج كونج المغادرين. وقالت رئيسة السلطة التنفيذية كاري لام أخيرا “أولئك الذين قرروا المغادرة، هذا خيارهم الشخصي”، مضيفة أن مستقبل المدينة كان “مشرقا للغاية”.
سبق لهونج كونج أن اختبرت مشاهد مماثلة في الرابع من حزيران (يونيو) 1989، وعند اقتراب موعد التسليم للصين.
جراء ذلك، تشتت شمل عائلات كثيرة. في الأغلب ما بقي أحد الوالدين في هونج كونج، بينما غادر بقية أفراد الأسرة، ولم يعودوا إلا بعدما تيقنوا أن مخاوفهم من حكم بكين لم تتحقق.
وتشهد هونج كونج بلد الـ280 ألف مليونير انتشارا مخيفا للفقر، وتعد واحدة من أغنى مناطق العالم لكنها أيضا واحدة من المناطق التي تشهد أكبر قدر من التفاوت الاجتماعي.
ويبلغ نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي 48 ألف دولار، حتى بعد عام من زيادة في الإنفاق العام بسبب الوباء، ما زالت السلطة التنفيذية في هونج كونج تملك احتياطيات مريحة تبلغ نحو 116 مليار دولار.
وتضم المدينة، التي يبلغ عددها 7.5 مليون نسمة أكثر من خمسة آلاف ملياردير (بالدولار الأمريكي)، وهو عدد ارتفع 48 في المائة خلال خمسة أعوام، حسب التقرير السنوي لشركة “نايت فرانك”، ويضاف إلى هؤلاء 280 ألف مليونير.
ومع زيادة ثروات الأغنياء، ازداد الفقر أيضا، ففي العامين الماضيين تضاعف عدد الأسر، التي تكسب 9100 دولار هونج كونج (1170 دولارا أمريكيا) أو أقل شهريا إلى أكثر من 149 ألف عائلة، حسب دراسة حكومية.
وواجهت المستعمرة البريطانية السابقة الوباء، بينما كان اقتصادها يعاني ركودا مرتبطا بالأزمة السياسية والاحتجاجات، التي استمرت أشهرا في 2019.
وجرت هذه التظاهرات ضد الوصاية الصينية المتزايدة على الرغم من مبدأ “دولة واحدة ونظامان”، لكنها كانت موجهة أيضا ضد السلطة التنفيذية المحلية، التي وقفت في صف بكين وبدت غير قادرة على الحد من التفاوت المتزايد في المدينة أو حل أزمة العقارات، التي تجعل هونج كونج واحدة من أغلى مدن العالم من حيث نفقات المعيشة.
وتثير الزيادة في معدلات الفقر قلقا، خصوصا في هونج كونج بسبب ضعف أنظمة المساعدة الاجتماعية، كما ترى لاي هيو تونج من المنظمة غير الحكومية “كونسرن فور جراسروت لايفليهود ألاينس”. وهي تؤكد أن “معظم المساعدات استثنائية وقصيرة المدى”.