▪︎ مجلس نيوز
في فصل جديد من فصول تداعيات الانهيار الاقتصادي المتسارع في لبنان، شهد القطاع الصيدلي منذ أمس، إضرابا مفتوحا مع نضوب الأدوية، فيما يهدد توقف معملين رئيسين عن إنتاج الكهرباء قدرة مرافق عامة على الاستمرار في تقديم خدماتها، على رأسها المياه.
ووسط عجز سياسي تام يحول منذ 11 شهرا دون تشكيل حكومة تباشر خطة إنقاذية وتضع حدا للانهيار المالي الذي رجح البنك الدولي أن يكون من بين أسوأ ثلاث أزمات في العالم منذ 1850، يستمر تدهور قيمة العملة المحلية، ليلامس سعر الصرف أمس عتبة 19500 ليرة مقابل الدولار في السوق السوداء.
وعلى وقع شح احتياطي الدولار لدى المصرف المركزي، شرعت السلطات منذ أشهر في ترشيد أو رفع الدعم تدريجيا عن استيراد سلع رئيسة بينها الوقود والأدوية، وأدى ذلك إلى تأخر فتح اعتمادات للاستيراد، ما تسبب في انقطاع عدد كبير من الأدوية، من مسكنات الألم العادية وحليب الأطفال الرضع، حتى أدوية الأمراض المزمنة.
ووفقا لـ”الفرنسية”، أدى إلى شح المحروقات وانتظار الناس ساعات أمام محطات الوقود، رغم رفع الأسعار الأسبوع الماضي.
وأعلنت مؤسسة كهرباء لبنان أمس، أنه مع تعذر تفريغ حمولة باخرتين، بانتظار استكمال إجراءات مصرفية ولوجستية، توقف كل من معملي الزهراني ودير عمار تباعا نتيجة نفاد مخزونهما من مادة الغاز أويل، ما سيدفعها إلى اتخاذ إجراءات احترازية للحفاظ على الحد الأدنى من التغذية.
ويأتي ذلك فيما تصل ساعات التقنين يوميا إلى 22 ساعة، ويجد كثر أنفسهم عاجزين عن دفع فاتورة الاشتراك في مولدات خاصة، مع رفع أسعار الوقود أخيرا وشح توافرها.
وجراء التقنين القاسي في الكهرباء، أعلنت مؤسسة مياه لبنان الجنوبي أنها “ستبدأ في تقنين توزيع المياه إلى الحدود الدنيا”، موضحة أن “الكميات المتوافرة لا تكفي إلا لفترة قصيرة جدا، ستتوقف بعدها كل منشآتها ومحطاتها عن ضخ وتوزيع المياه”.
وأعلنت مؤسسة مياه لبنان الشمالي بدورها “حالة الطوارئ القصوى وبرامج تقنين تطول عملية ضخ وتوزيع المياه”.
ويشهد لبنان منذ صيف 2019 انهيارا اقتصاديا متسارعا، فاقمه انفجار مرفأ بيروت المروع في الرابع من آب (أغسطس) وإجراءات مواجهة فيروس كورونا.
ولا تلوح في الأفق أي حلول جذرية لإنقاذ البلاد، فيما يشترط المجتمع الدولي تشكيل حكومة تباشر في تنفيذ إصلاحات ملحة، مقابل تقديم الدعم المالي للبنان. وتعتزم فرنسا تنظيم مؤتمر دعم هو الثالث منذ الانفجار لتقديم المساعدات مباشرة إلى الشعب اللبناني.
إلى ذلك، بدأ تجمع أصحاب الصيدليات أمس، إضرابا عاما مفتوحا، إذ قال علي صفا عضو التجمع “نحو 80 في المائة من الصيدليات التزمت بالإضراب في بيروت والمدن الكبرى، مقابل 50 إلى 60 في المائة في المناطق الأطراف”. وربط عدم الالتزام الكلي بعدم تأييد نقابة الصيادلة للإضراب، وطلبها مهلة للتفاوض مع وزارة الصحة.
وقال شاهد عيان “إن أغلبية الصيدليات وبينها صيدليات كبرى، أقفلت أبوابها على طول الخط الساحلي بين مدينتي جبيل وجونية شمال بيروت”. وأفاد آخر بالتزام عدد كبير من الصيدليات في الضاحية الجنوبية لبيروت بالإضراب. وتفاوتت نسبة الإقفال بين منطقة وأخرى في أحياء العاصمة.
ومنذ مطلع العام، يبحث اللبنانيون عبثا عن أدويتهم في صيدليات نضبت محتوياتها تدريجيا. وينشر مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي يوميا أسماء أدوية يحتاجون إليها. وبات كثر يعتمدون على أصدقائهم وأفراد عائلاتهم في الخارج لتأمين أدويتهم، بأسعار مرتفعة جدا مقارنة بالسعر المحلي المدعوم.
وبحث إيلي “48 عاما” لأربع ساعات الإثنين عن دواء لعلاج ارتفاع حمض اليوريك، من دون أن يوفق. ويقول “تكرر الجواب ذاته، الدواء مقطوع، أو الشركات لا تسلمنا الأدوية”، ما دفع طبيبه إلى وصف دواء بديل، عثر عليه بعد جولة على خمس صيدليات.
وحذرت نقابة مستوردي الأدوية الأحد من “نفاد” مخزونها من “مئات الأدوية الأساسية التي تعالج أمراضا مزمنة ومستعصية”. وقالت “إن مستحقاتها المتراكمة لدى مصرف لبنان تجاوزت 600 مليون دولار”.
واعتادت الشركات تقديم فواتير الاستيراد إلى مصرف لبنان لتسديدها، في إطار سياسة الدعم، لكن مع شح الدولار وازدهار عمليات التهريب إلى الخارج، بات يطلب موافقة مسبقة من وزارة الصحة على الأدوية التي يراد استيرادها ويسدد لاحقا الفواتير، وهو ما أدى إلى تراكم مستحقات الشركات. وتوقفت الأخيرة منذ نحو شهرين عن توزيع ما يوجد في مخازنها ثم عن الاستيراد.
ويطالب مصرف لبنان منذ أشهر وزارة الصحة بوضع جدول أولويات بالأدوية التي تجب مواصلة دعمها.
ويقول صفا “المطلوب اليوم هو أن توقع وزارة الصحة على لوائح الأدوية وفق الأولويات، فتبدأ الشركات تسليم الأدوية غير المدعومة إلى الصيدليات وفق سعر الصرف في السوق السوداء، وتلك المدعومة وفق السعر الذي تحدده الوزارة”.
وكان رياض سلامة حاكم مصرف لبنان أعلن أنه سيسدد “الاعتمادات والفواتير التي ستقدم، والتي تتعلق بالأدوية، ولا سيما أدوية الأمراض المزمنة والمستعصية، وفقا للأولويات التي تحددها وزارة الصحة، ضمن مبلغ لا يتعدى 400 مليون دولار، يغطي مستوردات أخرى بما فيها الطحين”.
وبحسب نقابة مستوردي الأدوية، لن يتخطى الجزء المخصص للأدوية 50 مليون دولار شهريا، وهو ما يعادل نصف الفاتورة الاعتيادية. ولم يبق قطاع أو طبقة بمنأى عن تداعيات الانهيار، وترفع قطاعات إنتاجية أصواتها تدريجيا مطالبة بدعمها للاستمرار في تقديم خدماتها.
وبعد أن طالته تبعات الانهيار الاقتصادي، يعرض الجيش اللبناني رحلات بطائراته الهليكوبتر، لتمويل صيانتها، في مؤشر يدلل على مدى عمق المشكلات المالية التي تعصف بالبلاد.
وقال العقيد حسن بركات وهو متحدث باسم الجيش “الحرب الحالية هي في الأساس حرب اقتصادية وبالتالي نحن في حاجة إلى وسائل غير تقليدية، لذلك قررنا أن نبدأ رحلات جوية بواسطة طوافات”.
وأضاف “تكلفة هذه الرحلات هي تكلفة تؤمن الصيانة الأساسية للطائرات”. وتبلغ تكلفة رحلة لمدة ربع ساعة على متن طائرة هليكوبتر عسكرية للتدريب من طراز “روبنسون آر44″ 150 دولارا”.
وحذر العماد جوزيف عون قائد الجيش الشهر الماضي من أن الأزمة التي تولدت من رحم الفساد والهدر في الحكومة على مدى عقود سيترتب عليها انهيار كل مؤسسات الدولة بما فيها الجيش، مشيرا إلى أن قيمة الراتب الشهري للجندي تدنت حتى 90 دولارا.