▪︎ مجلس نيوز
أكدت كل الأحداث التي مرت وصاحبت الاقتصاد العالمي خلال خمسة أعوام مضت من عمر رؤية المملكة 2030، أنها كانت من أفضل القرارات الاقتصادية، وتمت إدارتها بفاعلية ونجاح، فالمحافظة على الاستقرار الاقتصادي ومعدلات التوظيف خلال فترة ما بعد انهيار أسعار النفط عام 2015، أسهمت في إنجاز برنامج التحول الوطني، الذي تم من خلاله إعادة هيكلة الوزارات والمجالس العليا.
وهذا الوضع تم في وقت وجيز جدا ويعد إنجازا لأكبر تحول تشريعي اقتصادي شهدته المملكة. وكان ذلك التحول التاريخي المنعطف الأهم ونقطة الارتكاز التي كان لها ما بعدها من إنجازات مؤثرة. فقد تم خلال الأيام الأولى من عمر الرؤية، إصلاحات ضخمة في الوزارات، ثم إدخال تشريعات أسهمت في دعم منظومة الإيرادات غير النفطية، ثم تشريعات ضريبة القيمة المضافة، مع ما تم حينها من أنظمة تتعلق بإصلاح الدعم وابتكار منظومة حساب المواطن، ثم إصلاح برنامج الدعم السكني، والحملة القوية والفاعلة على الفساد من أعلى الهرم.
وأسهمت هذه الإنجازات القوية في بث الرسائل الحازمة للعالم أجمع بأن الاقتصاد السعودي يمر بمرحلة هيكلية إدارية جديدة جعلت الرؤية محل اهتمام الشركات العالمية وكبار المستثمرين، ما عزز من أهمية برامجها الطموحة، خاصة برنامج صندوق الاستثمارات العامة، وتخصيص شركة أرامكو، وإدخال تحسينات رئيسة في منظومة السوق المالية، فكان لها أثر إيجابي كبير في استعادة المملكة زمام المبادرة في السوق النفطية، حيث تمكن الأمير محمد بن سلمان، برؤيته الاقتصادية، من إيجاد منظومة عمل جديدة للسوق تحت مظلة “أوبك +”، التي أسهمت في عودة الأسعار إلى مسارها الصحيح.
ونجح صندوق الاستثمارات العامة في الدخول في صفقات ناجحة وقوية، مثل إنشاء صندوق رؤية سوفت بنك، وتنوع وتعاظم عوائد استثمارات الصندوق الداخلية والخارجية. كما تم إصدار السندات السعودية بالدولار، التي أسهمت في دخول السعودية سوق أدوات الدين لتمويل مشاريع التنمية، وأدت إلى اقتحام الشركات السعودية هذه السوق مع تنامي الثقة بالاقتصاد السعودي.
وحققت شركة أرامكو نجاحا كبيرا في تمويل صفقة شراء شركة سابك. تلك الإنجازات التاريخية الكبرى كانت داعما كبيرا للاقتصاد السعودي في مواجهة أسوأ كارثة صحية واقتصادية واجهت العالم منذ الكساد الاقتصادي الكبير عام 1929، ولو أن الآثار الاقتصادية التي تبعت انتشار فيروس كوفيد – 19 قد حدثت للاقتصاد السعودي قبل الإصلاحات التي نفذتها الرؤية، لكانت الآثار الصحية والاقتصادية مدمرة ومرعبة، لكن تلك الإصلاحات مكنت المملكة من تفادي أكبر أزمة واجهها الاقتصاد السعودي، فانهيار أسعار النفط والفوضى التي عمت الأسواق عموما، مع متطلبات المحافظة على الأرواح وإغلاق الاقتصادات والأسواق، كانت كفيلة بأن تعلن الدولة عدم قدرتها على مواجهة هذه التحديات المفاجئة.
كذلك لو لم تكن منظومة الإيرادات غير النفطية قد بدأت في العمل مع استعداد شعبي كامل للتعامل معها وفهم آلياتها وتأثيرها، لما استطاع الاقتصاد السعودي الصمود. ولقد جاءت خطابات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، لشعبه منذ اللحظة الأولى، مطمئنة ومؤكدة أهمية المحافظة على المكتسبات والبقاء صفا واحدا في مواجهة التحديات.
وفي خضم هذا كله، استطاعت المملكة قيادة العالم من خلال رئاسة مجموعة العشرين في عام الأزمة الصحية التاريخية، ومن خلال عمل مؤسسي بارز، وعن طريق الاتصال عن بعد، حيث استطاعت السعودية إقناع الاقتصادات الكبرى بضخ ما يزيد على 11 تريليون دولار، ودعم منظمة الصحة العالمية، مع استمرار العمل بخطط المستقبل والاقتصاد الرقمي الذي بدأ فجره.
لقد سجل التاريخ هذه الإنجازات ودونتها سجلات صندوق النقد الدولي، مع شهادة الخبراء المستقلين بأن الإصلاحات الطموحة التي كانت جارية في إطار رؤية المملكة 2030، لعبت دورا رئيسا في الحد من الآثار السلبية للجائحة في الاقتصاد السعودي، إضافة إلى الجهود المبذولة للتنسيق بين الجهات الحكومية والإنشاء المبكر للجنة العليا لاتخاذ التدابير والاحترازات اللازمة للحد من انتشار الوباء، وتسارع التحول الرقمي للحكومة والخدمات المالية، وإصلاحات سوق العمل وتخفيض معدلات البطالة، والإمكانات المتوافرة لتنفيذ السياسات الاقتصادية، التي مكنت الحكومة من إدارة الأزمة بشكل جيد.
كما أسهم “برنامج دعم تمويل القطاع الخاص”، الذي أطلقه البنك المركزي السعودي، في مساندة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في مواجهة تحديات الجائحة، وأكد تقرير مشاورات المادة الرابعة نجاح سياسات دعم الاقتصاد غير النفطي، وأشاد بدور “اللجنة رفيعة المستوى” في إدارة الأزمة بشكل فاعل واستباقي، إضافة إلى تدابير الاحتواء المبكر، التي أدت إلى الحد من عدد حالات الإصابات والوفيات، والنتيجة لكل هذا جاءت في تقرير صندوق النقد النهائي بتعافي الاقتصاد السعودي، وتباطؤ تضخم مؤشر أسعار المستهلكين، متوقعين أن يبلغ نمو إجمالي الناتج المحلي غير النفطي 4.3 في المائة خلال العام الجاري، و3.6 في المائة خلال عام 2022.
فيما تشير توقعات الصندوق إلى قيادة القطاع الخاص النمو في العام الجاري ليبلغ 5.8 في المائة، ويستمر على المديين المتوسط والطويل بمتوسط نمو قدره 4.8 في المائة. ومن هنا، يمكن القول إن أي اقتصاد في العالم يقاس بإنجازاته ومؤشراته الإيجابية، وهذا ما تم تلمسه في الاقتصاد السعودي. لقد تجاوزنا الأزمة الأسوأ في تاريخ الاقتصاد السعودي، بفضل الله ثم رؤية المملكة 2030، مع نظرة للمستقبل بروح جديدة مليئة بالثقة بالرؤية، وفي إدارتها، في ظل حجم احتياطيات المملكة المرتفعة مع انطلاقة عدد من الاستراتيجيات الجديدة، من بينها استراتيجيات النقل والخدمات اللوجستية وصناعة الطاقة المتجددة في المملكة، خاصة إنتاج الهيدروجين والاتفاقيات الدولية ذات العلاقة بهذه الصناعة.
ومع نجاح إصلاحات السوق المالية، التي أشاد بها تقرير صندوق النقد الدولي، فإن وصولا أكبر للمستثمرين وتوسيع أدوات ومنتجات السوق المالية، سيكون واعدا بالارتكاز على حجم سيولة النظام المصرفي السعودي، التي تعد في مستويات مريحة – كما وصفها خبراء صندوق النقد الدولي، وكذلك سعة الشمول المالي وتنامي التكنولوجيا المالية.
وهذا ما أكده وزير المالية في جملة تعليقاته على مؤشرات تقرير صندوق النقد الدولي، التي جاءت موافقة لما تخطط وتسعى إليه المملكة من برامج اقتصادية وتنموية ومالية مستقبلية.