▪︎ مجلس نيوز
مع ارتفاع التضخم خلال الأعوام القليلة المقبلة، ستواجه البنوك المركزية معضلة. وإذا بدأت تتخلص تدريجيا من السياسات غير التقليدية وترفع أسعار الفائدة لمكافحة التضخم، فإنها بذلك تخاطر بإشعال شرارة أزمة ديون هائلة وركود حاد، لكن إذا أبقت على سياسة نقدية متساهلة، فإنها تخاطر ببلوغ معدل التضخم خانة العشرات والركود التضخمي العميق عندما تنشأ صدمات العرض السلبية التالية.
لكن حتى في السيناريو الثاني، لن يتمكن صناع السياسات من منع أزمة الديون. وفي حين أن الديون الحكومية الاسمية ذات السعر الثابت في الاقتصادات المتقدمة يمكن محوها جزئيا بفعل تضخم غير متوقع كما حدث في السبعينيات، فإن هذه ليست حال ديون الأسواق الناشئة المقومة بالعملة الأجنبية. وسيضطر عديد من هذه الحكومات إلى التخلف عن السداد وإعادة هيكلة ديونها.
في الوقت ذاته، ستصبح الديون الخاصة في الاقتصادات المتقدمة غير مستدامة كما حدث بعد الأزمة المالية العالمية، وسترتفع فوارقها مقارنة بالسندات الحكومية الأكثر أمانا، ما يؤدي إلى إشعال شرارة سلسلة متوالية من حالات التخلف عن سداد الديون. وستكون الشركات عالية المديونية وبنوك الظل المتهورة التي أقرضتها أول من يسقط، وسرعان ما تتبعها الأسر المثقلة بالديون والبنوك التي مولتها.
من المؤكد أن تكاليف الاقتراض طويل الأجل ربما تنخفض في البداية إذا ارتفع التضخم بشكل غير متوقع في حين لا تزال البنوك المركزية متأخرة عن المنحنى. لكن بمرور الوقت، سـيدفع بهذه التكاليف إلى الارتفاع بفعل ثلاثة عوامل. فأولا، سيؤدي ارتفاع الديون العامة والخاصة إلى توسيع الفوارق بين أسعار الفائدة على الديون السيادية والخاصة. وثانيا، سيؤدي ارتفاع التضخم واشتداد حالة عدم اليقين إلى دفع علاوة مخاطر التضخم إلى الارتفاع. وثالثا، سيطالب مؤشر البؤس المتزايد الارتفاع – مجموع معدلي التضخم والبطالة – في نهاية المطاف بلحظة فولكر.
عندما بول فولكر رفع رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي السابق أسعار الفائدة في التصدي للتضخم خلال الفترة 1980 – 1982، كانت النتيجة ركودا حادا مزدوجا في الولايات المتحدة وأزمة ديون وعقدا ضائعا في أمريكا اللاتينية. لكن الآن وقد أصبحت نسب الديون العالمية أعلى بنحو ثلاث مرات من نظيراتها في أوائل السبعينيات، فإن أي سياسة لمكافحة التضخم من شأنها أن تؤدي إلى الكساد، وليس الركود الحاد.
في ظل هذه الظروف، ستكون البنوك المركزية ملعونة إذا تحركت وإذا لم تتحرك، وسيكون عديد من الحكومات شبه معسرة وبالتالي غير قادرة على إنقاذ البنوك، والشركات، والأسر. وستتكرر حلقة الهلاك التي التهمت الهيئات السيادية والبنوك في منطقة اليورو بعد الأزمة المالية العالمية في مختلف أنحاء العالم، ولن تسلم منها الأسر، والشركات، وبنوك الظل.
في ظل الوضع الحالي، تبدو الكارثة التي تتقدم نحونا بالحركة البطيئة حتمية لا مفر منها. ولا يغير تحول بنك الاحتياطي الفيدرالي من موقف شديد المسالمة إلى موقف مسالم في المجمل أي شيء. كان الاحتياطي الفيدرالي واقعا في فخ الديون على الأقل منذ كانون الأول (ديسمبر) 2018، عندما أجبره انهيار البورصة وسوق الائتمان على عكس اتجاهه إلى تشديد سياسته قبل عام كامل من اندلاع جائحة كوفيد – 19. ومع ارتفاع التضخم، وفي ظل صدمات الركود التضخمي التي تلوح في الأفق، أصبح الفخ أكثر إحكاما.
هذه أيضا حال البنك المركزي الأوروبي، وبنك اليابان، وبنك إنجلترا. وقريبا سيلتقي ركود السبعينيات التضخمي بأزمة الديون من فترة ما بعد 2008. والسؤال الآن ليس ما إذا كان ذلك ليحدث، بل متى سيحدث.
خاص بـ “الاقتصادية”
بروجيكت سنديكيت، 2021.
![](https://majlis-news.com/wp-content/uploads/2021/07/أزمة-ديون-الركود-التضخمي-الوشيكة-2-من-2-مجلس.jpg)