▪︎ مجلس نيوز
لا يبدو أن الخبراء الاقتصاديين ينظرون بعين متفائلة حيال الانفراج الاقتصادي لإيران، فهذا الاقتصاد الذي ضربت جميع أركانه السياسات الخاطئة، وتدخل قضايا السياسة في شؤونه، أصبح في مفترق الطرق وتعرض لشلل تام، بعد تدهور الأوضاع والحياة الاقتصادية في جميع جوانبها، حيث ظل هذا الاقتصاد يعيش وسط ضغوط وظروف صعبة فترة طويلة، وأدت عقوبات “الضغط الأقصى” الأمريكية إلى تدهور مؤشراته تماما.
المشكلة التي يواجهها الاقتصاد الإيراني لا تتعلق فقط بالعقوبات الدولية المفروضة على النظام الحاكم، ولا ترتبط بتعثر أو توقف الاتفاق النووي بين طهران والقوى العالمية الست، كما أن هذه المشكلة ليست وليدة الأمس، بل تعود إلى عقود سابقة، شهدت كثيرا من السياسات التي وضعها واتبعها نظام علي خامنئي، وأسهمت في تآكل قوة الاقتصاد الإيراني.
يضاف إلى ذلك، أن اقتصاد إيران لم يكن – في الواقع – حتى قبل العقوبات في ظل السياسات العدوانية والميليشيات التي اتبعها النظام الحاكم، في حالة صحية جيدة، وكان هشا إلى حد كبير، على الرغم من الموارد الكبيرة التي يتمتع بها، سواء من النفط وغيرها من الثروات الطبيعية الأخرى.
فقد تفاقمت الأزمة الاقتصادية الإيرانية بعد العقوبات، لكنها لم تنشأ معها، وهذا أمر طبيعي في اقتصاد يعتمد بقدر كبير على عائدات صادرات الطاقة، أي النفط والغاز، التي هوت بها العقوبات إلى درجة سحيقة. كما أن حركة تجارة إيران تراجعت بشكل كبير، إضافة إلى تدهور العملة بشكل مخيف، ما أثر هذا الوضع في نمو الاقتصاد المحلي.
إن الموارد التي ضيعها النظام الإيراني على مدى عقود، ضغطت بصورة خطيرة على المجتمع الإيراني الذي قام بعدة انتفاضات ضد هذا النظام، وهذه الموارد ضاعت ولا تزال عبر تنفيذ الاستراتيجية الأهم بالنسبة إلى نظام الملالي، وهي تمويل الإرهاب، والعصابات، والخلايا النائمة حول العالم، وليس فقط في دول تستهدفها إيران بعينها.
فضلا عن أن هذا النظام أنفق الكثير على العصابات التي أنشأها لتحارب بلادها الأصلية، وتتجاوز إيران في ذلك كل المواثيق الدولية التي تمنع التدخل في الشؤون الداخلية لدول مستقلة. هذه التدخلات كلفت الخزانة الإيرانية الكثير، ولم تتراجع طهران عن سياساتها هذه، حتى بعد أن قام الشعب الإيراني ضد النظام الحاكم طالبا العيش الكريم، والحد الأدنى من الكرامة.
ومن هنا، يمكن فهم ما أعلنه معهد التمويل الدولي أخيرا، بأنه من المرجح أن يكون تعافي الاقتصاد الإيراني متواضعا، في حالة إحياء الاتفاق النووي الموقع في عام 2015، دون توسيع نطاقه. وتوسيع النطاق يعني أن الدول الكبرى ستقلل من مستوى العقوبات المفروضة على نظام علي خامنئي، وبالتالي ستتحرك عجلة الاقتصاد الوطني مجددا.
لكن الخطورة والمعضلة الأكبر تكمن في إدارة الحراك الاقتصادي في إيران، فحتى لو اتسمت العلاقات بين إيران والمجتمع الدولي بالانفراج، وأدى ذلك إلى تخفيف أكبر للعقوبات، فلن يتحقق التعافي الاقتصادي المطلوب على الإطلاق.
والأسباب هنا كثيرة، في مقدمتها أن الحرس الثوري الإيراني التابع مباشرة لعلي خامنئي، يسيطر في الواقع على نحو نصف الاقتصاد الوطني، وحاولت بعض الحكومات الإيرانية التي تعاقبت على السلطة أن تعدل من هذه الوضعية، إلا أنها اصطدمت بقوة المرشد الأعلى.
وقد أظهرت وثائق قبل أعوام، كيف أن مكتب المرشد يجنب مليارات الدولارات من العوائد المالية الوطنية، ويحولها إلى مؤسسات وصناديق تحت إشراف الحرس الثوري، وذلك في نطاق استمرار تنفيذ السياسات العدوانية والتدخلات.
ولهذه الأسباب وغيرها، فإن الاقتصاد الإيراني لن يتعافى، لأنه لا يقوم على أسس طبيعية أصلا، يضاف إلى ذلك، أن الإدارة الأمريكية الحالية، لن تستطيع بأي شكل من الأشكال أن توفر للنظام الإيراني أي دعم سياسي في المستقبل، خصوصا إذا ما كان الاتفاق النووي محدودا، فالدعم الذي تتمناه طهران لا يمكن أن يأتي حتى يتخلص نظام علي خامنئي من أوهامه وأحلامه بنشر الفوضى أينما استطاع هنا وهناك.
ومن الواضح أن هذا النظام لن يكون جزءا طبيعيا من المجتمع الدولي حتى ينهي سياساته التي ضربت كل المبادرات العربية والدولية الهادفة إلى بناء علاقات طبيعية منتجة معه. إن الاقتصاد الإيراني لن يتعافى حتى لو رفعت جميع العقوبات، وأيضا حتى لو تم توقيع الاتفاق النووي مجددا، فالأمراض التي يعانيها هذا الاقتصاد مستعصية وخطيرة ومتجذرة جدا في الوقت نفسه.