▪︎ مجلس نيوز
تعتمد السعودية في سياستها عبر تأريخها الطويل على ثوابت استراتيجية محكمة، وتتبع في منهجها خطى واضحة ومعطيات أساسية على جميع المستويات، وهي معروفة لدى المجتمع الدولي بأنها تقف وبقوة مع الأهداف النبيلة، وتراعي حقوق الجوار وتسعى دوما إلى دعم السلام والاستقرار العالمي بأشكاله كافة، ويحمل ملفها أيضا مواقف إيجابية كثيرة تجاه العالم.
ومن هذا المنطلق، تؤكد دوما التزامها بدعم وتطبيق اتفاقية باريس للتغير المناخي، التي تهدف إلى تخفيض درجة حرارة الأرض، ولعل هذا يتحقق من خلال الوصول إلى هدف الحياد الصفري للانبعاثات بحلول 2050، والحياد الصفري من المفاهيم، التي تولدت مع اتفاقية باريس للمناخ، والتي وقع عليها عام 2015، وتعني الوصول إلى توازن مستدام بين كمية انبعاثات الغازات، التي تولد الاحتباس الحراري، وكمية غازات الاحتباس الحراري الموجود فعليا في الغلاف الجوي.
بمعنى آخر، فإن الهدف هو التوقف “صفر” في زيادة كمية الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي. إن المقترحات، التي ترد من مراكز البحث العالمية ترى أن الحل هو فقط من خلال توقف العالم عن الاستثمار وبناء منصات جديدة لإنتاج النفط، والاستثمار بدلا عن ذلك في الطاقة المتجددة، لكن هل العالم قادر على الوصول إلى توازن كامل وكاف في كمية الطاقة، التي يحتاج إليها مع تناقص متسق في الطاقة الأحفورية وتزايدها بالقدر نفسه في الطاقة المتجددة؟ مراكز البحث العالمية، التي تجد شركاتها عاجزة عن مواجهة المنافسة في السوق النفطية، لا تريد أن تشغل نفسها بهذا السؤال، ومع ذلك، فهل توقف الاستثمارات في إنتاج النفط هو الطريق الوحيد الموصل إلى الحياد الصفري، ولتحقيق اتفاقية باريس؟ وهنا نفهم من العبارة، التي قالها الأمير عبدالعزيز بن سلمان، وزير الطاقة، عندما سئل عن مثل هذه التقارير، حيث قال “دع الآخرين يعيشوا في أوهامهم بأن مصادر الوقود البديلة يمكن أن تلغي الحاجة إلى الاستثمارات الجديدة في إمدادات البترول”.
ويجب علينا قراءة هذه العبارة الدقيقة بشكل صحيح، فالسعودية، التي هي من أقل دول العالم في انبعاثات الكربون، أعلنت أنها ستنضم إلى الولايات المتحدة ودول أخرى يمثلون، مجتمعين، 40 في المائة من الإنتاج العالمي من البترول والغاز لتأسيس “منتدى الحياد الصفري للمنتجين”، لدعم تطبيق اتفاقية باريس للتغير المناخي، ترى دوما أن تطبيق اتفاقية باريس له طرق واستراتيجيات وطنية مختلفة، طرق تعتمد على ظروف كل دولة. وما دام الجميع يسعى إلى هدف عالمي مشترك، فإن تشجيع المساعي المختلفة لتخفيض وإزالة الانبعاثات، هو هدف نبيل بذاته.
وإذا كانت دول ترى أن وقف الاستثمارات الخاسرة حل مناسب لها، فإن دولا أخرى ترى أن التقنية والابتكار في احتجاز الكربون وتخزينه وإعادة تدويره يعد حلا مناسبا لها أيضا. وفي الوقت الذي ترى فيه بعض مؤسسات الأبحاث أن الاستثمار في شركات النفط لا يحقق الأرباح المتوخاة لدعم الابتكار ودعم خطط بايدن في الحياد الصفري، فإن دولا أخرى ذات ظروف اقتصادية مختلفة، تجد نفسها قادرة على تحقيق الأمرين معا، وفي الوقت نفسه، فإن تطوير ونشر تقنيات الطاقة النظيفة لها حقق منافع إضافية ليس أقلها تنويع مصادر الدخل. لذا، فإن توفير هذه المبادرات كافة لتختار كل دولة ما يتوافق مع الظروف الوطنية لها، هو المسار الذي يجب أن يسير فيه العالم، وليس أوهام إلغاء الاستثمارات الجديدة في إمدادات النفط العالمية.
ولعل دولا ترى أن وقف الاستثمارات مناسب لها، لأن استثماراتها في الإنتاج النفطي لا تزال تواجه تحديات بيئية صعبة، وتكلفة إنتاج مرتفعة، وهذا يجعل الدفع بهذه الاستثمارات نحو الربحية وتحمل مصروفات الالتزام البيئي كبيرة جدا، مع تقلبات السوق النفطية، وبالتالي ليس لها من الإمكانات التي تؤهلها لإدارتها.
ولهذا، فإن الحل الأمثل هناك هو توقف هذه الاستثمارات تماما والتحول إلى سوق الطاقة المتجددة، لكن إذا كانت دولة مثل النرويج تعيش في الأجواء الباردة طوال العام وتحصل على جل طاقتها من الطاقة الكهرومائية، وتجد الحل في إنشاء محطات رياح بحرية أكثر، فإن الطلب العالمي على الوقود الأحفوري مستمر في الارتفاع، ولا سيما في الصين والهند، أكثر دول العالم سكانا والمحرك القوي لدفع عجلة النمو العالمي، كما أن الولايات المتحدة قد تحولت من منتج صاف للنفط في بداية العقد الماضي إلى مستورد صاف عند نهايته، لأن أيام ازدهار النفط الصخري قد ولت، وأصبحت شركات النفط الصخري معنية بسداد ديونها أكثر من انشغالها بحفر آبار جديدة.
لذلك، ترى السعودية أن التوقف عن الاستثمارات الجديدة في إمدادات البترول قد يعني في نهاية الطريق حدوث أزمة طاقة جديدة، كما تشير بذلك تقارير صحافية متخصصة. والتوازن هو المطلب، بينما نحن نعزز الاستثمارات لتجنب نقص في إمدادات الطاقة، فلا تخرج الأسعار عن السيطرة، ونخصص أموالا أكثر للبحث عن حلول تقنية مبتكرة لتحقق هدف الحياد الصفري.
هذا ما يقوله الخبراء الحقيقيون من أمثال الأمير عبدالعزيز بن سلمان، وهو ابن ومهندس صناعة النفط واقتصاداتها منذ أمد بعيد، فالأخطاء في توازن السوق مؤلمة جدا، وإصلاحها بعد ذلك أكثر إيلاما، خصوصا إذا كانت دول غير قادرة على التوازن في السوق النفطية ومقابلة الربحية وتكاليف الإنتاج والبحث والتطوير ومتطلبات اتفاقية باريس.
إن السعودية لديها خبرات وأصول قوية، وتمتلك واحدة من أكبر شركات العالم النفطية، من حيث الإيرادات، وقادرة على المضي قدما في استقرار الأسعار والسوق النفطية، من خلال التقارير المستمرة، التي تتحدث عن استراتيجيتها الاستثمارية بصورة أساسية في أعمالها الرئيسة التقليدية، من إنتاج البترول والغاز، وقادرة في الوقت نفسه على توفير رأس المال الكافي لدعم الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة والنظيفة واحتجاز الكربون وإنتاج “الهيدروجين الأخضر” و”الأمونيا الزرقاء”.
كما حققت السعودية أخيرا إنجازا عالميا، من خلال تدشين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أول محطة للطاقة الشمسية، وربطها فعليا بالشبكة الكهربائية، وهناك في الطريق مشاريع مماثلة ومتنوعة.
![](https://majlis-news.com/wp-content/uploads/2021/06/الحياد-الصفري-والتوازن-المطلوب-مجلس-نيوز.jpg)