▪︎ مجلس نيوز
التأمل في الذكريات يحيل أحيانا إلى الانتباه للواقع، وربما المستقبل، خاصة عند استعراض الأشياء الملموسة، الأغراض القديمة مثلا، تلك التي تتأملها عند إعادة ترتيب أغراضك، أو عند الاضطرار لتوفير مكان بالتخلص من بعض الأشياء، أو حتى عند فتح خزانة أو حقيبة قديمة. تسارعت الأعوام، وأصبح عمر بعض محتوياتها يقاس بعقدين أو ثلاثة وليس ببضعة أعوام.
بالمناسبة، فإن إعادة ترتيب وغربلة أشيائك القديمة هو تقريبا يشبه عملية إعادة الهيكلة في المنشآت، وهو في الأغلب لا بد أن ينتهي بالتخلص من بعض الأشياء، ويرافقه ذلك الهاجس أن التخلص منها قد لا يكون صائبا لاحتمال الحاجة إليها مجددا، رغم أنها مهملة لفترة طويلة.
من الأشياء التي تصادف كثيرا من المغربلين دفاتر تسجيل الملاحظات، أو ما نسميها “النوتات”، وهي بالمناسبة ليست كلمة عربية، الوريقات المتشابكة بسلك معدني، التي ستنقرض قريبا، فلم يعد الطلاب أو الصحافيون أو الكتاب وعامة الناس يستخدمونها كثيرا وقد أخذت الأجهزة الذكية مكانها تدريجيا.
وجدت بعضا منها أخيرا، وأعادتني إلى أيام ومراحل كثيرة، فهي طالما رافقتني كما رافقت كثيرين، تذكرت كيف كان لها مفعول السحر على العشاق، عشاق الحرف، والإبداع، وتنظيم العمل، والملاحظات التي لا يراها كثيرون.
لم يعد أحد يسجل خواطره على ورق إلا ما ندر جدا، ولم يعد الشباب يكتبون كلمات أغانيهم المفضلة في دفاتر، حتى الصحافيون لم يعودوا بحاجة لها، وكذا الطلبة، وندل المطاعم، وصاحب البقالة الذي كان يسجل المديونيات على المتسوقين المعسرين لحين تسلم الراتب أو مجيء الفرج.
ربما بعض كبار السن ممن لم يتصالحوا مع الأجهزة الذكية ما زالوا يحتفظون بدفاتر صغيرة “نوتات” عمرها نصف قرن وفيها أرقام هواتف عليها ملاحظات جديرة بالاهتمام وتعليقات عفوية وواقعية بجانب بعض الأرقام.
رغم تقدم وسهولة تقنيات “التذكير” أو الرصد، لكنها لا تعطي ذلك الإحساس بالصداقة، أو الحميمية الذي تمنحك إياه النوتة الصغيرة، ربما لأنها مصنوعة من الورق، والورق يأتي من كائنات حية، وربما لأنها مكتوبة بخط يدنا، وربما لأنها تذكرنا بأشياء وأزمنة جميلة.
الجيد والمهم أن انحسار استخدام دفاتر الملاحظات، بل ربما أنواع كثيرة من الدفاتر، هو تقليل لاستخدام الورق، وبالتالي تقليل صناعته، وحماية الأشجار، والمهم والمثير للقلق في الوقت نفسه، أن هناك استهلاكا موازيا للأجهزة والتقنيات، وهذه في نهاية المطاف تصبح نفايات مختلفة الأنواع والتأثير.
ترى، ماذا ستكتشف أنه سينقرض في الغربلة المقبلة؟