▪︎ مجلس نيوز
فجأة! عاد الحديث ثانية في أروقة منظمة التجارة العالمية عن اتباع آلية التصويت في المنظمة. قبل بضعة أشهر فقط تم اقتراح التصويت كوسيلة لكسر الجمود في اختيار المدير العام الجديد.
تمت تسوية الأمر عندما قلبت الإدارة الأمريكية الجديدة الموقف ودعمت، نجوزي أوكونجو إيويالا، على خلاف الإدارة السابقة. هذه المرة، يتعلق الأمر باقتراح التنازل عن التزامات الملكية الفكرية في لوائح المنظمة المتعلقة بوباء كوفيد – 19.
تغيير الولايات المتحدة موقفها هو، الذي شجع الدعوات إلى التصويت، على الرغم من أن دعاة التصويت كانوا يطالبون بذلك في موضوع التنازل فقط. فحصوا القواعد العامة للمنظمة، فوجدوا أن التصويت مدرج كخيار، وخلصوا إلى أن هذا الخيار هو أفضل طريقة للتغلب على مقاومة التنازل عن حقوق الملكية الفكرية.
في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، وقعت مجموعة من الأكاديميين والنشطاء على رسالة مفتوحة نظمتها مجموعة العمل التابعة لـ”مركز سياسة التنمية العالمية المعنية بالتجارة والوصول إلى الأدوية”.
تضمنت الرسالة، “نذكر الدول الأعضاء بأن البلدان التي تفضل عدم تنفيذ الإعفاء محليا لن تكون ملزمة بالقيام بذلك. كما نذكر الدول الأعضاء بأن تصويت ثلاثة أرباع سيكون كافيا لتمرير طلب التنازل عن حقوق الملكية الفكرية. نؤكد أنه ينبغي ألا تتمسك الدول الأعضاء في منظمة التجارة بمبدأ “توافق الآراء”، ما يسمح للدول ذات الدخل الأعلى، التي ضمنت لنفسها وصولا تفضيليا وغير متناسب إلى العلاجات واللقاحات باستخدام حق النقض ضد حقها الجماعي في حماية سكانها أيضا. يتطلب التضامن العالمي وحتمية الوصول العادل حقا، إقرار التنازل المقترح”.
لا تزال الدول النامية في المنظمة تدفع من أجل ذلك. غير أن الدول الصناعية الكبرى، التي توصف بـ”الأقلية”، تقول “الأغلبية على حق من الناحية الأخلاقية”، لكنها ترفض أن تكون معارضتها “أقل شرعية”، لأنها تأتي من بلدان “الدخل الأعلى”، وبالتالي لا ينبغي السماح لها باستخدام حق النقض.
يقول بعض مندوبي بلدان “الدخل الأعلى” ممن تحدثت “الاقتصادية” معهم، “إذا كان الجانب الأخلاقي يقف إلى جانب الأغلبية، فلا ينبغي أن يكون ذلك بمنزلة حجة تستخدم لتبرير الدعوة للتصويت”.
يؤكد البعض أن السبب الذي يجعل أعضاء منظمة التجارة – سواء من الأغلبية أو الأقلية – يعارضون التصويت عموما هو، سبب عملي وأكثر جوهرية بالنسبة إلى المنظمة.
يقول هؤلاء، “الحقيقة، أن التصويت يمكن أن يدمر منظمة التجارة العالمية”، لأنه لا يتعلق فقط بتفسير اتفاقيات المنظمة كما هو مطبق بين دولتين أو أكثر. الأمر يتعلق بصنع القرار في المنظمة، وربما في كل شيء، وسيمس في آخر المطاف السياسات التجارية لكل دولة، ومبيعاتها، وناتجها المحلي، ورفاهية مواطنيها.
بعض مؤيدي التنازل، الذين يسعون إلى إخضاع حقوق الملكية الفكرية للتصويت، يقولون إن مبدأ التصويت يجب أن يقتصر فقط على حالة طوارئ حقيقية خطيرة، مثل الوباء العالمي.
حقوق وواجبات
أكبر وأهم القرارات في منظمة التجارة تنظم انضباط تصرف الحكومات في التجارة والتزامها باللوائح والقوانين. إنها قرارات تتعلق بنتيجة المفاوضات، وتنتج عنها قواعد متفق عليها.
يصر جميع أعضاء المنظمة على أنه ينبغي التوصل إلى هذه الاتفاقات بالإجماع، ولهذا السبب تستمر المفاوضات شهورا وأعواما، حتى يتم الوصول إلى الصفقة النهائية ويتخلى المعارضون المتبقون كافة عن اعتراضاتهم.
اتفق أعضاء منظمة التجارة ودونوا في قواعد ولوائح المنظمة على خيار “التصويت”، لكنهم لم يستخدموه أبدا، حتى في القرارات الأقل أهمية – مثل اختيار المدير العام. السبب هو، الخوف من تأسيس سابقة تؤدي إلى التصويت على قضايا أكبر.
تم تفضيل قاعدة الإجماع، لأن اتفاقيات منظمة التجارة تقيد الحكومات – البعض يسميها تمس السيادة -، وتوضح حقوق الحكومات في السياسة التجارية، وتمس بشكل مباشر تقريبا رفاهية الدول وشعوبها، لكنها توجد أيضا التزامات.
الدول ملزمة بعدم التمييز فيما بينها، إلا في ظروف محددة. حريتها في زيادة رسوم الاستيراد محدودة بالحدود القصوى التي قبلتها في مفاوضات المنظمة. يسمح لها فقط بدعم المزارعين ضمن حدود تم التفاوض عليها خلال عشرة أعوام.
عندما يوافق الأعضاء على السماح لمقدمي الخدمات بالعمل في بلدانهم، لا يمكنهم عادة إغلاق هذه السوق. يجب أن يمنحوا حماية براءات الاختراع لمدة 20 عاما على الأقل. وهكذا، في مئات الصفحات من الاتفاقيات، وعشرات الآلاف من صفحات الالتزامات.
يقول معارضو التصويت، إنه بسبب قاعدة الإجماع المتبعة في منظمة التجارة، كانت كل حكومة قادرة على قبول اتفاقيات المنظمة، والالتزامات التي قطعتها كل منها على الوصول إلى الأسواق والإعانات. أما لو كان التصويت هو القاعدة، فذلك يعني إجبار البلدان على قبول التزامات ضد إرادتها، وقد يعني ذلك تدمير مصالحها التجارية والمالية بسبب تصويت، ليس مهما كم الفارق بين قبوله ورفضه.
تفكك
يقول دبلوماسي غربي لـ”الاقتصادية”، تخيل تصويتا يخبر الولايات المتحدة أن عليها تمزيق قانون المزرعة، أو أن يسمح الاتحاد الأوروبي لبقية العالم بصنع جبنة الفتا، المسجلة باسمه (اليونان) ضمن لوائح حماية العلامات الجغرافية، وتسميتها فتا، وبيعها في السوق الأوروبية ذاتها. أو أن تفتح اليابان سوقها من الأرز بالكامل. أو أن تتوقف الهند لوقف دعم المنتجات الزراعية. ماذا نعتقد أنه سيحدث؟.
إذا خسرت الولايات المتحدة تصويتا في منظمة التجارة على لائحة جديدة لا يمكنها أن تحصل على موافقة الكونجرس، فإنها – ببساطة – لن تمتثل. ولن يمتثل الاتحاد الأوروبي لقرار غير مقبول لدوله الأعضاء ومؤسساته. كما أن الصين لن تمتثل لتصويت لا تستطيع بكين الموافقة عليه. ولا أي شخص آخر، من أفغانستان وأستراليا إلى بريطانيا وزيمبابوي… باختصار، إن النظام التجاري متعدد الأطراف القائم على قواعد منظمة التجارة سينهار.
وأضاف أن الأعضاء لن يسمحوا للمنظمة بالوصول إلى تلك المرحلة. البعض منهم على الأقل سيمنع أي محاولة للتصويت. هناك طرق عديدة للقيام بذلك، بما في ذلك حجب جدول أعمال أي اجتماع يعقد لإجراء التصويت.
وتعقيبا على ملاحظة لـ”الاقتصادية”، بأن التنازل عن الملكية الفكرية في حالات الوباء العالمي قد يبدو مختلفا، فهو لا يمس سوى الأدوية.
ويجيب الدبلوماسي الغربي، إنه حتى إن كان لا يفرض أي التزامات جديدة، إلا أن التنازل سيؤثر في الحقوق. سيكون للبلدان الأخرى حقوق جديدة لتعليق بعض حماية الملكية الفكرية، وستشهد الدول الأخرى حقوق مخترعيها قد تم تقلصيها عندما يتم تطبيق التنازل. علاوة على ذلك، سيشكل التصويت سابقة قد يكون من الصعب كبحها.
وسواء كان التنازل فكرة جيدة أم لا، فمن الواضح أن عديدا من أعضاء منظمة التجارة سيعترضون على التصويت. تجبر قاعدة الإجماع الدول على التفاوض والتوصل إلى اتفاق يمكن لجميع الأعضاء قبوله. وبموجب آلية “التفاوض والتفاهم” المعمول بها حاليا، قد تجد دولة ذات أغلبية يوما ما نفسها في أقلية في يوم آخر.
صحيح في الماضي صحيح اليوم
عند الرجوع إلى تاريخ الإعفاءات والتنازل الذي قدمه الأعضاء في المنظمة، يقول معارضو التنازل إن ما كان صحيحا في 2003، عندما تم الاتفاق على التنازل الأخير عن الملكية الفكرية، قد تم عبر النقاشات وليس التصويت، ولا يزال هذا صحيحا ويمكن تطبيقه الآن. لهذا السبب، تعتقد الدول الصناعية ذات الدخل العالي، بأنها لن ترى تصويتا على التنازل أو على أي قضية أخرى داخل منظمة التجارة، في أي وقت قريب.
يقول هؤلاء، إن الحديث عن التصويت في منظمة التجارة يعد مضيعة للوقت، على الرغم من أن اتفاقية المنظمة تسمح بذلك. يشير هؤلاء إلى أنه بسبب صعوبة الحصول على اتفاق الإجماع في بعض المفاوضات، تحول أعضاء المنظمة إلى المحادثات بين جزء فقط من الأعضاء – يعرفون باسم “الأطراف المتعددة”، “وهو نوع من أنواع التصويت”.